يتطلع كثير من الأتراك إلى اليوم الذي يتحول فيه متحف أيا صوفيا الشهير في قلب إسطنبول إلى مسجد للمسلمين بعد 79 عاماً من غياب الأذان عنه بقرارٍ من مؤسس الجمهورية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، لكن حكومة رجب طيب أردوغان لم تبد إلى اليوم أي مؤشراتٍ على توجهها لتحقيق ذلك. ونشرت العديد من وسائل الإعلام مؤخراً خبراً مفاده أن الآلاف أدوا صلاة الفجر يوم السبت الماضي أمام المتحف وهتفوا "اكسروا السلاسل وافتحوا مسجد أيا صوفيا"، مطالبين بتحويله إلى مسجد. وأبدى بعض النشطاء والمتابعين للأحداث في تركيا استغرابهم من الخبر، مشيرين إلى أن هذه الواقعة غير صحيحة، ومعبرين عن استغرابهم من شغلها حيزاً كبيراً في وسائل الإعلام العربية، رغم أن الصلاة أمام المتحف وُثِّقت بالصور ومقاطع الفيديو. ورفض جاهد توز مستشار نائب رئيس الحكومة التركية تأكيد أي معلوماتٍ حول توجه الحكومة لتحويل متحف أيا صوفيا إلى مسجد، لكنه أكد في الوقت عينه أنها يمكن أن تلجأ إلى ذلك إذا وجدت فيه تحقيقاً لمصالح تركيا. تحذيرات غربية وقال جاهد توز إن الحكومة "تعبر عن قراراتها بطريقةٍ شفافةٍ وتشهرها بالطرق المعروفة للجميع عبر المتحدثين الرسميين بلسانها ووسائل الإعلان عن قراراتها"، مضيفاً أنها لم تصدر أي قرارٍ جديدٍ بشأن أيا صوفيا، لكن من حقها أن تفعل ذلك في اتجاه تحقيق مصالح تركيا وتلبية احتياجات مواطنيها ونشط العديد من الصحفيين ووسائل الإعلام التابعة للمعارضة التركية مؤخراً في تناول ملف أيا صوفيا في كتاباتهم وتقاريرهم الصحفية التي تنوعت بين انتقاد حكومة أردوغان بسبب التأخر في تحويل أيا صوفيا إلى مسجد حينا، واتهامها باتباع سياسة ستضر بمصالح تركيا عبر نيتها تحويل المتحف إلى مسجد أحيانا أخرى. واستبق الناشط الطلابي اليساري بولنت مصطفى الأحداث بالتأكيد أن أي قرارٍ سيتخذه أردوغان بتحويل متحف أيا صوفيا إلى مسجدٍ سيكون بالغ الضرر على تركيا، في إشارةٍ إلى تحذيرات غربية صدرت عن الولاياتالمتحدة واليونان على وجه التحديد في هذا الخصوص. واتهم مصطفى الحكومة التركية بالمغامرة بمصالح البلاد في حال إقدامها على اتخاذ قرارٍ بإعادة المكان الذي حوله أتاتورك إلى متحف عام 1934، ومنع إقامة الشعائر الدينية فيه منذ ذلك التاريخ. وأشار إلى أن الأضرار التي ستلحق بتركيا ستتجلى في تراجع حركة السياحة الأوروبية (المسيحية) إلى البلاد وما يترتب على ذلك من خسائر اقتصادية، فضلاً عن أن القرار سيضر كثيراً بجهود تركيا للانضمام الى الاتحاد الأوروبي والتي ما زالت تراوح مكانها. تأليب الشارع من جهته رفض جاهد توز الخوض في تفاصيل أي انعكاساتٍ متوقعةٍ لقرار تحويل المتحف إلى مسجدٍ قبل أن يصدر قرار فعلي بذلك، لكنه أشار إلى أن العلاقة التركية بأوروبا غير مبنيةٍ على أساسٍ ديني. وقال توز إن توقيت إثارة موضوع أيا صوفيا غير بريء، مشيراً إلى عودة النزاع بين الحكومة التركية وجماعة الخدمة برئاسة عبد الله غولن إلى الواجهة من جديد. وبحسب المستشار، تشهد البلاد في هذه الآونة محاولاتٍ جادة لتوحيد قوى المعارضة واختلاق قضايا تؤلب الشارع من خلالها على الحكومة لتصفية حساباتٍ سياسيةٍ معها. وأكد توز أنه لا يمكن النظر إلى إعادة تفعيل موضوع أيا صوفيا بمعزلٍ عن محاولات إثارة الشارع وتحريكه مجدداً في الذكرى السنوية الأولى لأحداث ساحة غيزي في تقسيم، مشيراً إلى أن تركيا تشهد في هذه الآونة حالة اصطفاف جديدة للمعارضة من جماعة الخدمة والأحزاب الأخرى في مواجهة الحكومة. يذكر أن كاتدرائية أيا صوفيا بنيت عام 537م كأهم معلم سيادي للإمبراطورية البيزنطية، وبقيت عنواناً لقوة الدولة الرومانية الشرقية إلى أن فتح السلطان العثماني محمد الفاتح القسطنطينية عام 1453، حيث حولها إلى مسجدٍ يرمز أيضاً إلى قوة الدولة العثمانية وسطوتها. وقد افتتح في الجزء الخلفي من المتحف مسجد تقام فيه الصلاة ويرفع فيه الأذان في عهد حزب العدالة والتنمية.