قليل هم الفرسان الذين ضحوا .. قليل هم الفرسان .. الذي دفعوا .. قليل هم الفرسان الذين عاشوا .. للدين والقضية .. بديع الزمان النورسي .. فارس لم يشق له غبار في مضمار الحق ..كانت قضيته الإسلام والنهضة في وقت شحذ الكفر والنفاق السكاكين للطعن في الإسلام وإسقاط الخلافة .. تكمن قيمة بديع الزمان النورسي في وقفته خلال حرج وحساسية الموقف المضطرب آنذاك .. ولذا قالوا على قدر المخاطر قدر ما تحتاز من المجد ان بديع الزمان النورسي جدير بنا ان نتوقف على سيرته في ظل الهجمة الشرسة على الاسلام و أن نستلهم من الرواد الذين تركوا من وراءهم نورا ..ينير درب السائرين والأغرب من ذلك أن مؤلفه الفكري (رسائل النور) كان من بقايا النور الذي تركه بديع الزمان النورسي .. مهمة الرجال تكون في مقدار العظمة .. حينما تكون المؤامرة على نحو ضخم كما أسلفنا و تفوق العظمة أن يكون الثائر عصي على الانكسار ..فما بالنا لو كانت المؤامرة الكبرى في إسقاط الخلافة واستباحة الدين.. وها نحن اليوم في ذكرى سقوط الخلافة ,, نتذكر النورسي حيث بذل قصار الجهد في الظرف الحرج كي يجهض المؤامرات .. ضد اسلامه ودينه ..يقول المحللون ان حياة النورسي كانت ملحمة من الاحداث والوقائع حيث نذر حياته للقرأن ُنشر في الصحف المحلية أن وزير المستعمرات البريطاني "غلادستون" قد صرّح في مجلس العموم البريطاني وهو يخاطب النواب قائلاً: "ما دام القرآن بيد المسلمين فلن نستطيع أن نحكمهم، لذلك فلا مناص لنا من أن نزيله من الوجود أو نقطع صلة المسلمين به". زلزل هذا الخبر كيانه وأقضّ مضجعه فأعلن لمن حوله: "لأبرهنن للعالم بأن القرآن شمس معنوية لا يخبو سناها ولا يمكن إطفاء نورها". فشد الرحال إلى استانبول عام 1325ه (1907 م)، وقدّم مشروعًا إلى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني لإنشاء جامعة إسلامية في شرقي الأناضول، أطلق عليها اسم "مدرسة الزهراء" -على غرار جامع الأزهر - تنهض بمهمة نشر حقائق الإسلام وتدمج فيها الدراسة الدينية مع العلوم الكونية الحديثة.. لقد ناضل النورسي من اجل القرآن في ظرف حرج يشبه المؤامرة الحالية التي تتعرض لها الأمة الإسلامية .. كان النورسي ذكيا لماحا ..تربى على مائدة القرآن منذ نعومة أظافره .. حاول قره صوه زعيم المحفل الماسوني استدراجه إلى محفلهم الماسوني وصار حوار بينهما .. فولى الاول هاربا قائلا خشيت من النورسي ان يجعلني اعتنق الإسلام .. وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى .. كان بديع تلزمان في طليعة المجاهدين إلا انه وقع في الاسر لمدة عامين ونصف .. إلى ان يسر الله العودة الى تركيا .. - سافر إلى إستانبول عام 1896 ليقدم مشروعاً لإنشاء جامعة إسلامية حديثة في شرقي الأناضول - بلاد الأكراد - وأطلق عليها اسم (مدرسة الزهراء) لتكون على منوال الجامع (الأزهر) في مصر، غير أنها تختلف عن الأزهر بتدريس العلوم الحديثة إلى جانب العلوم الشرعية والعربية، وذلك من أجل النهوض بالأكراد المسلمين الذين يفتك بهم الجهل والفقر والتخلف. ولكن النورسي لم يلق قبولاً من السلطان عبد الحميد ومن وزير داخليته. - وفي عام 1907 سافر مرة أخرى إلى استانبول، للغرض ذاته، وقابل السلطان عبد الحميد، وانتقد الاستبداد ونظام الأمن واستخبارات القصر (يلدز) فأثار عليه حاشية السلطان، وأحالوه إلى محكمة عسكرية. وكان النورسي في منتهى الشجاعة في التعبير عن رأيه أمام القضاة العسكريين، الأمر الذي جعل رئيس المحكمة يحيله إلى الأطباء النفسانيين، للتأكد من سلامة قواه العقلية، وكانت لجنة الأطباء المؤلفة من طبيب تركي، وآخر أرمني، وثالث رومي ومن طبيبين يهوديين (!!!) قررت وضعه في مستشفى (طوب طاش ) للمجانين (!!!). وعندما حضر طبيب نفساني إلى المستشفى، لفحص قواه العقلية، بادره النورسي بحديث رائع عميق يأخذ بالألباب، فما كان من الطبيب إلا أن يكتب في تقريره: " لو كانت هناك ذرّة واحدة من الجنون عند بديع الزمان، لما وُجد عاقل واحد على وجه الأرض". كان النورسي بطلا في السجن فحينما وقع في الاسر كان خال القيصر والقائد العام للجبهة الروسية، "نيكولا نيكولافيج" يزور معسكر الأسرى فقام جميع الأسرى لأداء التحية ماعدا (سعيد النورسي). لاحظ القائد العام ذلك، فرجع ومرّ ثانية أمامه.. فلم يقم له كذلك، وفي المرة الثالثة وقف أمامه وجرت المحاورة الظريفة الآتية بينهما بواسطة مترجم القائد: القائد: الظاهر أنك لم تعرفني؟ النورسيّ: بلى.. لقد عرفتك. إنك نيكولا نيكولافيج، خال القيصر، والقائد العام في جبهة القفقاس. القائد: إذن فلِمَ تستهين بي؟ النورسيّ: كلا، إنني لم أستهن بأحد، وإنما فعلت ما تأمرني به عقيدتي. القائد: وماذا تأمرك عقيدتك؟
النورسيّ: إنني عالم مسلم، أحمل في قلبي إيماناً، والذي يحمل في قلبه إيماناً هو أفضل من الذي لا إيمان له. ولو أنني قمت لك لكنت إذن قليل الاحترام لعقيدتي ومقدساتي، لذلك فإنني لم أقم لك. القائد: إذن فإنك بإطلاقك عليّ صفة عدم الإيمان، تكون قد أهنتني وأهنت جيشي وأمتي والقيصر كذلك، يجب تشكيل محكمة عسكرية للنظر في هذا الأمر. تشكلت المحكمة العسكرية، وقُدِّمَ إليها سعيد النورسي بتهمة إهانة القيصر والأمة الروسية والجيش الروسي. ويسود حزن في معسكر الأسرى ويلتف حوله الضباط الأسرى من الأتراك والألمان والنمساويين ملحّين عليه القيام بالاعتذار للقائد الروسي وطلب العفو منه، إلا أنه رفض ذلك بإصرار، قائلاً لهم: "إنني أرغب في الرحيل إلى الآخرة، والمثول بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. لذلك فإنني بحاجة فقط إلى جواز سفر للآخرة، وأنا لا أستطيع أن أعمل بما يخالف إيماني". وتصدر المحكمة قرارها بالإعدام، وفي يوم التنفيذ تحضر ثلة من الجنود على رأسها ضابط روسي لأخذه إلى ساحة الإعدام، ويقوم سعيد النورسي من مكانه بابتهاج قائلاً للضابط الروسي: - أرجو أن تسمح لي قليلاً لأؤدي واجبي الأخير. ثم يقوم ويتوضأ ويصلي ركعتين. وهنا يأتي القائد العام ليقول له بعد فراغه من الصلاة: - أرجو منك المعذرة، كنت أظنك قد قمت بعملك قاصداً إهانتي ولكنني واثق الآن أنك كنت تنفذ ما تأمرك به عقيدتك وإيمانك، لذا فقد أبطلت قرار المحكمة، وإنني أهنئك على صلابتك في عقيدتك، وأرجو المعذرة منك مرة أخرى. عاش النورسي مجاهدا من اجل العقيدة يحمل روعة العقيدة وشموخ الايمان في ظل اقسى الظروف صعوبة و المؤامرة ضد الإسلام ترك النورسي خلاصة فكرة في مؤلفات كان منها رسائل النور . بعضها كتب بالعربية ومنها ما ترجم الى عدة لغات .. . وتوفي سعيد النورسي في الخامس والعشرين من رمضان المبارك سنة 1379ه الموافق 23 آذار 1960م، فدفن في مدينة "أورفة". ولكن السلطات العسكرية الحاكمة لتركيا لم تدعه يرتاح حتى في قبره؛ إذ قاموا بعد أربعة أشهر من وفاته بهدم القبر، ونقل رفاته بالطائرة إلى جهة مجهولة، وبعد أن أعلنوا منع التجول في مدينة "أورفة". فأصبح قبره مجهولا حتى الآن لا يعرفه الناس... وهكذا الأحرار والثوار أحيانا تضيق أذهان وصدور الطغاة.. بهم ذرعا حتى بعد الوفاة . _______________ - المصادر - الشيخ عبد الله طنطاوي بديع الزمان النورسي - الموقع الرسمي لسعيد النورسي