وليس من قبيل المبالغة ان يصبح الاهتمام باللغة العربية هواحد المعايير الذي يقاس به انتماء الافراد وعروبتهم والحركات والانظمة، بل ان اهمال اللغة العربية ، وصولاً الى كل انواع الحروب المتصاعدة ضدها في قد يبدو الحديث اليوم عن اللغة العربية حديثاً خارج سياق الصخب الدموي الذي تزخر به بلادنا العربية، وسباق التنافس المحموم الذي يسود العلاقات الاقليمية والدولية من حولنا. وقد لا يبدو كافياً تحديد منظمة "الاليكسو" للاول من اذار/ مارس يوما للغة العربية، ولا تحديد الاممالمتحدة للثامن عشر من كانون الاول/ديسمبر يوماً عالمياً للغة العربية، لنبرر حديثنا اليوم عن أهمية هذه اللغة خصوصاً ان الفعاليات المتصلة بهاتين المناسبتين محدودة جداً خلا بعض الندوات والمؤتمرات وآخرها ندوة "يوم اللغة العربية الاكبر" في (دار الندوة) في بيروت والتي تحدث فيها الدكتور جورج جبور وقدم لها الدكتور رياض خليفة. لكن الذي يستهدف "ثقافة القومية العربية" كما كشف مسؤول فرنسي سابق حضر ندوة "اوروبية" في لندن قبل عامين ونيف، يدرك ان المدخل الأفعل مخططه يكمن في اضعاف العمل على اللغة العربية لا سيما بين أبنائها ، اداة هذه الثقافة ووعاءها في آن، بل هي العروة الوثقى التي تشد العربي الى العربي وتجسد العلاقة التكاملية بين الاسلام والعروبة. صحيح ان اللغة والروابط الثقافية والحضارية التي تنشأ عنها، ليست العنصر الوحيد الذي يجمع العرب ويوحد بينهم، فهناك الاقتصاد وشروط التنمية، هناك الاستقلال وترابط الأمن القومي، وهناك التاريخ المشترك والمصير الواحد، هناك العدو الواحد المتربص بنا، بل هناك المستقبل ومنطق العصر الذي لا تتعايش مع متطلباته سوى التكتلات الكبرى وبعضها تجاوزت دوله حروباً ودماءً وحدوداً وصراع ثقافات، لكن اللغة الأم تبقى أم الوشائج بين العرب، كما ان اللسان العربي هو ما يميز العربي عن غير العربي، وليحصن العروبة من السقوط في العنصرية والشوفينية والعرقية وتقديس رابطة الدم. لهذا كانت المحاولات الاستعمارية الدائمة تستهدف الثقافة العربية من خلال إضعاف لغتها. بل حين يتنبه المسلمون العرب ان المسيحيين من اشقائهم، لا سيما في لبنان، قد حفظوا في أديرتهم لغة القرآن. واقاموا اول مطابع بالحرف العربي، وسطروا للغتنا وبها المعاجم والموسوعات والقواميس، يدركون ان اللغة العربية هي احد أهم عوامل وحدتهم الوطنية، بل وأصلب قلاع مواجهة الحروب الطائفية والمذهبية والعرقية . المجالات الثقافية والتربوية والاعلامية و "الاعلانية" في لافتات تكتب باللغة الاجنبية او المحكية في شوارعنا وأحيائنا، بات أحد ابرز عناوين الهجمات المتتالية على الهوية العربية والاسلامية للأمة بأسرها. وصحيح ايضا ان انقراض اللغة العربية أمر مستحيل التحقق، وعصي على الاعداء، لارتباط هذه اللغة بثقافة العرب وحضارتهم وبرسالة سماوية تنتشر بين مئات الملايين من البشر، ولأنها أيضاً تشكّل جسراً بين العرب، مسلمين وغير مسلمين، وبين امم تمتد من جاكرتا الى طنجة وصولاً الى العمق الافريقي، غير ان إضعاف هذه اللغة وارباك اشعاعها يقف على رأس مخططات من يسعى لضرب وحدة العرب، كما لضرب نهجهم ايضاً، لأن اللغات الحيّة هي احدى مقومات قيام الامم الحية. في مقدمة اسباب النهوض باللغة العربية دون شك هو تطورها وتحديثها بما يتناسب مع متطلبات العصر، وبما يجعلها جذّابة الى اطفالنا، وعموم الناشئة، وبما يمكنّها من ان تكون ايضا لغة علم وثقافة لا لغة أدب وشعر فحسب، وهو ما يتطلب مؤتمرات وندوات ومؤسسات متخصصة بتدريس سبل النهوض بهذه اللغة، ومنحها القدرة على التواصل بين تراث عريق أصيل نمتلكه كعرب، وبين مستقبل حديث مشرق نواكب به العصر. وطالما كانت احدى ادعاءات محاربي اللغة العربية من أعدائها، كما من بعض مثقفيها للأسف، على إهمال هذه اللغة والتحول الى اللغات الغربية للدول المتقدمة هو انها لغة جامدة لا علاقة لها بالعلم ولا بالتكنولوجيا الحديثة، إى ان هؤلاء يتناسون بأن الحضارة العربية الاسلامية التي بزغت في قرون مضت والتي اعتمدت التقدم العلمي في مجالات الطب والفيزياء والفلك كما الرياضيات والفلسفة، كانت باللغة العربية وان العديد من التعابير والمصطلحات في هذه العلوم هي من أصل عربي. فهل يمكن ان تقوم اوراش عمل في كل مدينة او حاضرة عربية، يشارك فيها الشباب والطلاب، أساسا للبحث عن أفضل السبل والوسائل لتحصين لغتنا وعصرنتها. ولوضع التوصيات المناسبة قانونياً وتربوياً وثقافياً واجتماعياً من اجل ان تسعى الحكومات كما المجتمعات المدنية العربية الى تنفيذها. هل تتفرغ المنظمات والوزارات والمؤسسات العربية المعنية لمهمة بهذا الحجم، وهذا المستوى، لكي يكون تطوير لغتنا احد وسائل تحقيق نهضتنا وصون شخصيتنا وحماية هويتنا. هل يمكن لمنتدى عربي، وربما اسلامي، يجمع كل المنتديات والمراكز الثقافية والاعلامية الفاعلة في الامة، ان ينعقد ويتحول الى منتدى دائم للغة العربية، داعماً لمجمعّات اللغة العربية القائمة اليوم في اكثر من قطر، فلا تنتهي مهة هذا المنتدى مع انتهاء مدة انعقاده؟ هل يمكن للقوى الحيّة في الامة ان تضع في برامجها بنوداً خاصة بهذه اللغة، فتمنع مثلاً من لا يجيدها من اعتلاء منبر خطابي او المشاركة في محفل اعلامي وثقافي، بل تطلق حملات تتصدى لكل انتهاك لهذه اللغة ، وما أكثر الانتهاكات.
اسئلة نطلقها في يوم اللغة العربية، بل في ايام تخصص لها، ليصبح همّ الدفاع عن اللغة العربية همّنا في كل يوم.. وربما في كل ساعة.