تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات والذي قدمه الدكتور " جودت الملط" إلي البرلمان وفجر أزمة عميقة داخل الحكومة أشار بصراحة وقوة إلي ارتفاع الأسعار ومن ثم غياب الثقة بين المواطنين والحكومة ، فالأسعار ارتفعت بنسب تصل ما بين 50% - 100% للسلع الرئيسية التي لا غني عنها للمواطن البسيط ، ويعد تقرير " الملط" صرخة من داخل النظام السياسي إلي ضرورة أخذ أمر المواطنين بجدية فالأوضاع الاقتصادية الخطيرة- كما أشار إليها التقرير- تهدد بكارثة حقيقية ستقود إلي انفجارات اجتماعية وشعبية جعلت العديد من أعضاء مجلس الشعب والشوري يحذرون مما أطلقوا عليه " ثورة الجياع " . ومن بين أكبر ما تواجهه البلاد من مخاطر هو ضعف أدوات الرقابة والمحاسبة تجاه من يقودون البلاد إلي كارثة من طبقة رجال الأعمال الجدد الذين لا تعنيهم سوي مصالحهم الشخصية دون الأمن الاجتماعي للمواطنين الذي هم مصدر هذه الثروة . وأشير إلي أن هناك قانون لحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية لدينا في مصر منذ عام 2005 ، وهذا القانون أنشأ جهازاً لحماية المنافسة ومنع الاحتكار ، ولكننا لم نسمع عن تفعيل هذا القانون إلا بعد أن" بلغ السيل الزبي وجاوز الحزام الطبين" وصرخ المواطنون والشركات الصغيرة للمقاولات وأعمال البناء من ارتفاع أسعار الأسمنت ليصل سعر الطن البورتلاندي إلي 500 جنيه بينما تكلفته الحقيقية لا تزيد علي 140 جنيها ، وهنا تقدم وزير الصناعة كما ينص القانون علي تقديم بلاغ ضد شركات الأسمنت التي تتفق فيما بينها علي رفع سعر الأسمنت وتقييد عمليات تسويقه داخل البلاد مما يؤدي إلي تعطيش السوق ورفع الأسعار ، والمصيبة هنا أن شركات الأسمنت الكبري الأجنبية تستحوذ علي 85% من سوق الأسمنت المصرية بينما لا تستحوذ الحكومة إلا علي 3,5% من حجم السوق و11,5% لشركات عائلية أو مملوكة للقطاع الخاص ، وقامت شركات الأسمنت كرد فعل علي قرار النائب العام بتقديم 20 من مسئوليها للمحاكمة بتهمة القيام بممارسات احتكاريه باجراءات انتقامية ضد الموزعين والمستلهكين بتقليص كميات الأسمنت التي تخرج من مصانعها بنسبة 70% وهو ما سيكون له آثار كارثية علي سوق البناء والتشييد وعلي الوضع الاقتصادي عامة . ونفس الأمر بالنسبة للحديد فشركات " أحمد عز" تستحوذ علي ما نسبته 63% من سوق الحديد في مصر وبلغت أرباحها - وفق كتاب البورصة المصرية الصادر عام 2007 - أرقاما خيالية فأرباح شركة عز الدخيلة بلغت 425% وهو ما يعني أن الشركة استردت رأسمالها المدفوع خلال السنوات الثلاث الماضية أربع مرات أما أرباح شركة عز لحديد التسليح فقد ارتفعت من 57% عام 2004 إلي 203% نهاية عام 2006 ، والمعلوم من ا لناحية الاقتصادية أن الأنشطة الصناعية مختلفة عن الأنشطة التجارية في تحقيق الأرباح واسترداد رأس المال المدفوع والذي قد يطول إلي 15 سنة ومن هنا ا لتساؤل حول هذه الأرقام الخرافية التي تحققها مثل تلك الشركات وهو ما يعد خارج نطاق المنطق والمعقول ، وهنا لا بد من وقفة من جانب الدولة لضبط مثل هذه العمليات التي تعطي إشارات سلبية وخطيرة عن السوق المصرية وخاصة وأن قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية والتي تعطي الحكومة ورئيس الوزراء الحق في أن يفرض تسعيرة جبريه علي هذه الشركات التي تحتكر سلعة استراتيجية مهمة وتتلاعب بأسعارها خارج قواعد المنافسة الحقيقية وخارج المنطق الاقتصادي . ومن قبل تدخلت الحكومة في مواجهة شركات توظيف الأموال حين وصلت أرباحها إلي 30% أما شركات الأسمنت والحديد فإن أرباحها تصل إلي أكثر من 200% ، ووزارة التجارة والصناعة تعد الآن تعديلات علي قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار ويجب أن تتضمن هذه التعديلات وسائل للرقابة الفعالة التي تمنع الممارسات الاحتكارية لهذه الشركات ومن بينها حق الدولة والحكومة في أن تفرض تسعيرة علي السلع الاستراتيجية التي تمس حياة الناس ومن بينها الأسمنت والحديد ، والمواد الغذائية ، وبطلان كل اتفاق أو شرط ناشئ عن استغلال المركز المسيطر في السوق ، وقيام جهاز رقابة حاسم له صلاحيات الضبط القضائي والتفتيش وتحديد العقوبات الملائمة لكل حالة من الحبس والغرامة والمصادرة والشطب من سجلات التجار أو المستوردين . المواطن المصري واجه أزمات خطيرة وارتفاع الأسعار في سلع رئيسية مثل السكر والزيت واللحوم والسماد والأسماك والألبان والجلود بسبب " توحش مافيا الاحتكارات " ، ولا بد من وجود قانون يردع هذه القوي الاقتصادية من الطبقات الجديدة التي تعتقد أن العولمة والحرية الاقتصادية معناها الفوضي وغياب القوانين والرقابة ودور الدولة ، الحرية الاقتصادية لا تعني توحش غول الاحتكار وغياب المسئولية الاجتماعية لرجال الأعمال ومن هنا لا بد وأن تكون الدولة المصرية حاضرة بقوة لوقف حيتان الاحتكار من الأخذ بنا جميعا إلي المهالك ، نحن نريد قانون يمنع الاحتكار ولا ينظمه يجرم الاحتكار ولا يمنحه فرصة للإفلات من العقاب .