حسنين كروم: معارك أمام المخابز للحصول علي أرغفة العيش
ونبدأ بالمشاكل والانتقادات وعودة مشكلة طوابير العيش والمعارك التي تدور فيها وسقوط جرحي وقتلي، وسرقات، لدرجة أن إمام الساخرين زميلنا أحمد رجب قال يوم الخميس في بابه اليومي ب الأخبار نص كلمة: نهض من فراشه مع أذان الفجر فتوضأ ثم صلي واختتم الصلاة بالدعاء إلي الله أن يكلل جهاده بنصر من عنده، وأن يعود إلي أسرته سالما فإن استشهد في عدوان غاشم فالله كفيل بأطفاله فهو نعم المولي ونعم النصير، ثم غادر بيته متوجها إلي طابور العيش . طبعا، ولكن الخوف
كل الخوف أن ينجح في شراء العيش ثم يكون مصيره كمصير زميل له نشرت عنه الصحف من عدة أيام وقال عنه يوم الخميس زميلنا ب الجمهورية إسماعيل بدر في الصفحة الحادية عشرة المخصصة للبنوك والمصارف: سرقة الخبز المدعم من أمام المخابز دلالة علي انفلات الأسعار وعدم قدرة المستهلك علي مواجهة الأسعار في السلع الأخري أم أن الحالة الاقتصادية يسودها التضخم والعجز وضعف القدرة الشرائية؟. * هل يعقل أن كيلو العدس بسعر 9 جنيهات وشيكارة الدقيق المدعم زنة 50 كيلوغراما وتنتج 500 رغيف بسعر 8 جنيهات وتباع في السوق السوداء مهربة بسعر 100 جنيه، نحتاج لخبير ألماني لحل المشكلة . أما زميله جلاء جاب الله، فقد أثار في نفس العدد رعبنا عندما ذكرنا بما هو آت: منذ حوالي 600 عام أو تزيد قليلا كتب المؤرخ المصري الشهير تقي الدين المقريزي كتابه إغاثة الأمة بكشف الغمة وهو كتاب يحكي فيه عن تاريخ المجاعات التي مرت علي المصريين منذ ما قبل الميلاد، وفي عهد المماليك البحرية التي عاصرها المقريزي حدثت مجاعة شديدة وكتب عنها في كتابه قائلا: كان الفساد من أسباب المجاعة وليس شح ماء النيل فقط، وحين حلت المجاعة وانفجر السخط الاجتماعي وصف الأوضاع المصرية آنذاك فقال انتهب الخبز من الأفران والحوانيت حتي كان العجين إذا خرج إلي الفرن انتهبه الناس فلا يصل إلي الفرن ولا يخرج منه إلا ومعه عدة يحمونه بالعصي من النهابة فكان من الناس من يلقي نفسه علي الخبز ليخطف منه ولا يبالي بما يناله رأسه وبدنه من الضرب لشدة ما نزل به من الجوع . تري لو أن شيخ المؤرخين المقريزي يعيش بيننا الآن ويشاهد هذا الغلاء وهذه الأسعار التي كادت تصل ببعضنا إلي المجاعة فماذا سيكتب وماذا يقول في كتابه إغاثة الأمة بكشف الغمة . اعتقد أن المقريزي كان سيكتب عن الفساد والمفسدين بداية من الذين ينهبون الدعم حتي لا يصل الي مستحقيه مرورا بصاحب الفرن الذي يبيع الدقيق في السوق السوداء. وصل الغلاء الي حد لا يصدقه عقل حتي أن الناس كادت تظن الا عودة إلي حياة عادية بعد ذلك، فماذا يفعل الناس وهم يرون أن للخبز خمسة أثمان في السوق؟ للغلابة سعر مدعوم في الدولة بخمسة قروش لكن ليس من حقك أن تحصل علي أكثر من 20 رغيفا في اليوم مهما كان عدد أسرتك، ويتكالب الناس ويتقاتلون من أجل رغيف خبز حتي أن أحدهم مات في الزحام وآخر قتله فران بالرصاص، لكن أطرف ما حدث في هذا المجال يحكيه رجل أبو العيال وقف في الطابور من بعد صلاة الفجر حتي طلعت الشمس واشتري بجنيه واحد، وقام بوضع الخبز أمامه في الهواء حتي يبرد، إلا أنه فوجيء بآخر يخطف الخبز من أمامه ويجري فكانت أول حادث سرقة علنية للخبز وهو ما يجعلنا نعود إلي حكايات عصر المماليك في خطف الخبز من الأفران، وأخشي أن يتكرر في هذا الزمان .
فشل محاولة لنسف أحد الطوابير بقنابل المولوتوف
ونتحول ل وفد نفس اليوم لنظل مع رغيف الخبز ومشكلته التي قال عنها زميلنا وصديقنا وقريبي وعضو الهيئة العليا لحزب الوفد سعيد عبدالخالق في عموده اليومي بين السطور إن الذي يحدث الآن أمام منافذ بيع أرغفة العيش، لم تشهده مصر طوال تاريخها! لم يحدث من قبل اقتتال بين المصريين في صراع الحصول علي بعض أرغفة من الخبز، لم يستخدم المصريون من قبل الأسلحة والسنج والمطاوي للحفاظ علي دورهم في طابور العيش ويقال إن العبوات الناسفة المصنوعة من زجاجات المولوتوف المضبوطة مؤخرا أمام إحدي السفارات الأفريقية في منطقة الدقي، يقال ان احد الأشخاص أعدها لنسف طابور العيش حتي ينجح في الحصول علي بضعة أرغفة، هذه الرواية سمعتها من صديق، ونشرتها الصحف القومية، وبالتالي، ليست شائعة أو دعابة، والمؤكد اننا اصبحنا نستخدم هذه الوسائل من أجل الحصول علي بضعة أرغفة من الخبز! وأصبح الشارع يتساءل، أين القيادة السياسية مادامت الحكومة في غيبوبة ولم تر علي صفحات جرائد المعارضة والمستقلة صور طوابير الخبز التي تعبر عن حالة التردي الذي وصلنا إليه؟! تصوروا، لم يعد المصري قادرا علي توفير خمسة أو عشرة أرغفة خبز لإطعام أسرته، هل هذا معقول؟! دلونا علي دولة في العالم، نري فيها هذه المشاهد اللاإنسانية التي أصبحت من واجبات المصريين صباحا ومساء! هناك موجات متتالية من ارتفاعات في أسعار السلع الغذائية ولم يعد رغيف العيش متوافرا للغالبية العظمي من المصريين، بالإضافة الي عدم قدرتهم علي شراء مستلزماتهم المعيشية اليومية والذي نراه الآن أمام منافذ بيع الخبز، يشبه رنين ناقوس الخطر القادم! . لا، لا، الحكومة استعدت تماما لمثل هذه الاحتمالات، وهو ما اكتشفناه في نفس اليوم ايضا في الصفحة الثانية عشرة من الأهرام من خلال كاريكاتير زميلنا فرج حسن، وكان عن طوابير أمام أحد المخابز لا نهاية لها، وأعلي الفرن شاشة ضخمة تعرض مباراة في كرة القدم، وواحد في الطابور يقول: دي شاشات عملاقة عشان نتابع أخبار الدنيا في الكام يوم اللي بنقفهم في الطابور .