فى الوقت الذى تتجه فيه الدولة إلى دعم العلم والعلماء وإلى الأخذ بأسباب التقدم الحقيقية للمجتمع طفت على سطح الإعلام ظواهر وقنوات فضائية متعددة لا هم لها سوى أن تحقق أرباحا مادية سواء عن طريق دعم الخرافة والدجل والشعوذة وتحقيق "شو إعلامي" وهو ما سيجرنا إلى الخلف مئات السنوات . وكانت أبرز الظواهر التى لفتت الانتباه وأثارت حالة من الغضب الشديد بين الجمهور والمثقفين والإعلاميين هى الحلقات التى أذاعتها ريهام سعيد لأسرة من أربع فتيات ملبوسات بالجن واستعانوا بأحد الأطباء وبعض الشيوخ لتفسير تلك الحالة وسط حالة من الذعر والهلع والصرخات. يأتى هذا فى الوقت الذى خصص فيه الشيخ خالد الجندى حلقة من برنامجه "نسمات الروح" المذاع على قناة الحياة لمناقشة قضايا الدجل والشعوذة والنصب باسمهم للرد على حلقة الفتيات الممسوسات، كما استضاف الإعلامى عمرو الليثى فى برنامجه "واحد من الناس" إحدى ضحايا أعمال الجن والشعوذة ووالدتها للحديث عن قصتها للمشاهدين لكشف النصب بأعمال الدجل والشعوذة. ولم تكن ريهام هى الأولى التى فعلت ذلك لأن هناك قنوات فضائية صنعت خصيصا لهذه الأغراض، لا تقدم أى جديد إلا المعالجة من المس والجان وغيرها من التخاريف والشعوذة ووصل الهوس بالبعض إلى أن يتصل بالجان على الهواء مباشرة وهى أمور تدعو للأسى والحسرة إلى ما وصل إليه حال الإعلام فى هذه الفترة .. فتحنا هذا الملف لنستطلع آراء الكثير من المثقفين والإعلاميين والمتخصصين فى هذا الأمر لنضع الأمور فى نصابها .. فى البداية قال الدكتور عادل عبد الغفار أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة إننا نرى القيادة السياسية فى هذه الفترة ترسل برسائل عديدة إلى اتجاهات كثيرة بضرورة الاتجاه إلى معالجة الأمور والمشاكل التى تمر بها مصر بالأسلوب العلمى عبر توظيف البحث العلمى لخدمة المجتمع من خلال دعم البحث العلمى الذى لا تنهض دولة من الدول بدونه وهو الأمر الذى نرى على بعض القنوات أسلوبا مخالفا له تماما بالاتجاه إلى الخرافة والدجل والشعوذة . وأضاف عبد الغفار: لقد رأينا الرئيس عبد الفتاح السيسى يقوم بتكريم المتفوقين والعلماء الأسبوع الماضى ونرى الجامعة هذا الأسبوع تكرم عددا من المتفوقين أيضا وكذلك تم تشكيل مجلس من العلماء لتقديم الاستشارة للرئيس وكلها رسائل شديدة الوضوح لتنتبه الدولة لهذه الأمور التى لا اختلاف حولها فمستوى التقدم يقاس بمدى علم الأمم وربط البحث العلمى بقضايا المجتمع ولنا فى اليابان والصين وغيرهما من دول أوروبا الغربية والدول المتقدمة مثل يحتذى . وحول مواجهة هذه الظاهرة طالب عبد الغفار بضرورة وجود آلية لرصد كل ما يقدم فى الإعلام سواء مكتوبا أو مرئيا على أن يتم التنبيه على القنوات أن تعرض موادها الإعلامية فى إطار الإعلام المسئول وسد جميع الثغرات التى تروج للدجل والخرافة والتأكيد على أخلاقيات الحوار وعلى نشر قيم البحث العلمى وكل ذلك فى إطار التدرج فى فرض العقوبات التى يجب أن يتم تطبيقها بكل صرامة وشدة على الجميع حتى يتخلص الإعلام من شوائبه العالقة. فى حين قال الشاعر سامح محجوب رئيس تحرير برنامج "ليالي" بقناة النيل الثقافية إن القنوات الفضائية الخاصة ظهرت بالتوازى مع ظهور الصحف الخاصة التى كانت تحمل تراخيص من الدول الأجنبية، وكانت هذه القنوات بمثابة ظاهرة فريدة فى مصر لغسيل أموال رجال أعمال حسنى مبارك وعمل ما يمكن أن نطلق عليه المعارضة الخضراء التى تعمل مدفوعة الأجر بأن تبدو معارضة فى الظاهر فقط . وأضاف أن كل ذلك كان يتم بشكل عادى حتى قامت الثورة فخطف الحدث الثورى الأنظار والأضواء من جميع المجالات الأخرى سواء كانت فنية أو ثقافية أو رياضية وظهر نجم جديد فى سماء الإعلام يدعى المحلل السياسى وصارت هذه البرامج والقنوات تدر دخلا أكثر من مصانع رجال الأعمال أنفسهم وكون رجال الأعمال ثروات طائلة بالمتاجرة فى آلام الناس وجراحهم. وتابع محجوب: عندما كنت أسأل بعض رؤساء تحريرهذه البرامج لماذا لا تستضيفون شخصيات كالتى تنير عقول الناس مثل الدكتور حسن حنفى ومحمود إسماعيل وغيرهما يؤكدون لى أنها شخصيات لا تبيع، وهكذا سيطرت الأجندات والبيزنس على إعلام مصر ومن المؤكد أن أصحاب الأجندات لا يهمهم مثلا دراسة تمويل البحث العلمى أو بث مواد تفيد الناس لأنهم برجماتيون طوال الوقت ولا يهمهم أحد سوى الإعلانات وهم يختارون رجالهم بعناية أما الوعى "فانسى" . أما الشاعر محمد عبد القوى حسن مقرر لجنة الشعر العامى باتحاد الكتاب قال: مثلما هو موجود فى كل السلع المختلفة سلعة باهظة الثمن وسلعة رخيصة فهناك إعلام رخيص مدفوع الأجر هذا الإعلام إعلام تيك أوى حسبما تريد أن توجهه يتوجه وأيضا هذا الإعلام الزائف كثيرا ما يصنع الخرافات وكثيرا مايزين للبعض أعمالهم وأيضا يجعل من الرخيص والبخث أسطورة الأساطير وليس على المستوى السياسى فحسب ولكن على كافة المستويات الأدبى والعلمى فهذا الإعلام يعتبر عالة على المجتمع لأنه يأخذ المتلقى فى توهة كبيرة ويحجب الحقائق عنه ويعطى الفرصة للغث أن يتزين له، إنه بطل ونحن بصدق نريد أن نتحرر من هذا الإعلام المدفوع الأجر ونريد إعلاما صادقا صريحا فى كافة المستويات وأنادى بالرقابة على الإعلام فليس كل من هب ودب ينشر ويصدر صحفا صفراء لا طائل منها . من جانبه قال الدكتور محمد أمين عبد الصمد إن الإعلام مبنى على تعليم منحط ينتمى إلى عصور وسطى فى آلياته وأدواته ومناهجه، مع إعلاء للأفكار الأسطورية ومنحها سمات القداسة لإقناع الناس بها، ولا غرابة فى هذا فبانعدام تعليم حقيقى وجاد، لن تعدم الخرافة ميداناً خصباً، والتعليم لا يقتصر على الشهادات الدراسية. وأكد عبد الصمد لأن الإنسان عدو ما يجهل ويحاول دائماً البحث عن تفسيرات تنتمى إلى عالم آخر يرى أنه مسيطر عليه وأقوى منه فسنجد دائماً هذا التوجه كما أن الإعلام بصانعيه ليسوا إلا نتاجا وصورة مصغرة من مجتمع أعلى الخرافة وألصقها بالدين وجعل القداسة لكليهما وأصبح الجهل بمعناه الحقيقى هو عنوان حقب زمنية بأشخاصها ومنتجيها، مشيرا إلى أن الإعلام بشكل كبير ونتيجة لارتفاع نسبة الأمية وانعدام الوسائط المعرفية لدى الناس فى أغلبهم وتقبلهم وتلقيهم السلبى لكل ما يُطرح عليهم يقوم بتشكيل وعى زائف حتى فى القضايا الكبرى، ويكون الإقناع بالإلحاح والترديد، لذا فالحل يكون فى معرفة حقيقية تنحى التفكير الأسطورى بأدواته وآلياته ومحتواه جانباً مع اهتمام حقيقى بإيجاد وسائط معرفية جادة ومتابعة دقيقة لما يُقدم للناس وفضح ما هو خرافى وغير علمى وفضح بعض الممارسات الإعلامية التى تقوم على حرق الوقت وإلهاء الناس عن القضايا الحقيقية والكبرى ويبدأ التخلص من الفكر الأسطورى من المؤسسات التعليمية الدينية التى تشكل مادة دراساتها كماً كبيراً يرجع إلى قرون متخلفة فيُعاد إنتاجها وتقديمها بمضمونها بشكل جديد ويتم تسويق هذا والمتاجرة به فهم أوصياء الله علينا وكذلك هم أوصياء كل الكائنات الخرافية ومخلوقات العالم الآخر فلهم الجانبان وعليك الالتزام !!! بينما تساءلت الدكتورة هويدا صالح قائلة: هل تتصورون أن برامج الجدل الإعلامى مثل برامج طونى خليفة ومنى عراقى وريهام سعيد وغيرها المقصود منها إلهاء الشعب عن عودة رموز مبارك؟ ليس شرطا أن تكون الدولة وراء هذا العبث، ربما رجال الأعمال أصحاب هذه القنوات الذين لهم مصالح مع عودة فساد رجال مبارك ..