هي بحر من الفساد ..، إنها الصناديق الخاصة وهي الفكرة التي ظهرت بعد نكسة 1967 بهدف سد عجز الموازنة ليتقرر إنشاء أول صندوق في عهد الراحل جمال عبد الناصر تحت مسمي صندوق النظافة ، والذي انشئ بالقانون رقم 38 لسنة 1967 والذي يجمع امواله من رسوم النظافة المحلية . ليلتقط الرئيس الراحل انور السادات طرف الخيط ويصدر قانون رقم 53 لسنة 1973 فقد اجاز القانون إنشاء الصناديق الخاصة بأمر من رئيس الجمهورية واعطت له الحق في تخصيص موارد معينه لتمويل هذه الصناديق. لتبدأ رحلة الصناديق الخاصة في مصر فبموجب القانون رقم 53 يكون للصناديق موازنات خاصة خارج الموازنة العامة للدولة ، وكان السبب الرئيسي في إنشاء الصناديق الخاصة وقتها هو التغلب علي القوانين الروتينيه التي تعوق الإستثمار وتسهل من إنجاز الإجراءات والصفقات والمناقصات بدلاً من الإعتماد علي القوانين التي تأخذ وقتا طويلاً ، خاصة ان مصر وقتها بدأت تنتهج سياسة الإقتصاد الحر والتخلي عن فكرة الإشتراكية الناصرية . وفي عهد مبارك توسع إنشاء الصناديق الخاصة بشكل خطير وتمت صياغه العديد من القوانين التي تسمح للجهات المختلفة بإنشاء الصناديق ، ابرزها قانون صندوق الجامعات رقم 49 لسنة 1992 ، لتكون هذه الصناديق هي بوابة الفساد الحقيقية في الدولة لتحقق الصناديق الخاصة إرتفاعاً كبيراً في مصادر دخلها وموادرها في ظل غيابه تامة للرقابة علي أموالها التي تذهب معظمها في مكافآت لأصحابها . واستمراراً في سياسة إطلاق يد الصناديق لتفعل ما يحلو لها أصدر وزير المالية الهارب يوسف بطرس غالي القانون الذي حمل رقم 139 في عام 1996 ليسمح للصناديق الخاصة بإنشاء حسابات لها في البنوك ، الأمر الذي ساهم في تضليل الجهات الرقابة وعدم معرفتهم أرصدة الصنايق الفعليه . انواع الصناديق : وهناك نوعان من الصناديق الخاصة الاول وهو الذي يدخل في الموازنة العامة للدولة واشهرها صندوق الدعم العيني ، وهذه الصناديق طالما تدخل في موزانة الدولة فتكون الرقابة عليها شديدة وأوجه صرف اموالها معلوم للجميع وأمام الرأي العام ، أما النوع الثاني من الصناديق فهي التي تنشأ داخل الجهاز الإداري للدولة والهيئات الخدمية والتي دائماً تسبب المشكلات لضعف الرقابة عليها . تمويل الصناديق : الكثيرون منا لا يعملون مصادر تمويل الصناديق الخاصة ومن أين تحصل هذه الصناديق علي مواردها التي تبلغ الميارات ، فموادر الصناديق الخاصة تأتي من الرسوم التي تفرضها الوحدات المحلية والأجهزة الإدارية علي المواطن لإنجاز خدمه معينه ومثال بسيط علي بعض الرسوم التي قد يدفعها المواطن "رخصه القيادة" ، فعند الذهاب لطلب رخصه القياده يطلب منك العديد من الرسوم كرسوم تأمين إستخراج اللوحات المعدنية ، ودمغه الحصول علي ترخيص السياره ودمغه الحصول علي رخصه القيادة ورسوم عبور بوابات الطرق السريعة ، فكل هذه الرسوم لا تدخل لميزانية الدولة بل تدخل إلي الصناديق مباشرة كمورد رئيسي لها . قيمة الرسوم علي المزاج : هناك العديد من اوجه الفساد في الصناديق الخاصة فالأمر لا يقتصر علي غياب الرقابة فقط ، بل علي فرض الرسوم تأدية الخدمة للمواطنين علي المزاج ، فالأهم هنا أن تحقق الهدف الأسمي للقيادات وهو ملئ الصندوق بالأموال بغض النظر عن الهدف من انشاؤه ، والتي تصب في النهاية إلي جيوبهم بعد المكافآت الباهظة التي تستقطع من ميزانية الصندوق لتذهب اليهم مباشرة . المركزي للمحاسبات : تتضارب الأرقام حول عدد الصناديق الخاصة وحجم أموالها فقد ذكر الجهاز المركزي للمحاسبات ملاحظاته علي أداء الصناديق الخاصة للهيئات الاقتصادية والخدمية والتي جاء فيها رصده لأموال منهوبه في صورة مكافآت وان اموال الصناديق تنفق في غير الأغراض المخصصة لها ، وأكد التقرير علي أن أعداد الصناديق الخاصة قد وصل إلي 6215 صندوقاً برصيد بلغ 34 مليار جنية ، وانه بالمقارنه بعام 2011 والتي كانت الصناديق تقدر ب 5241 صندوق برصيد بلغ 32 مليار جنية ، بينما الرصيد بالعملة الأجنبية حتي سبتمبر 2012 فقد سجل 7.18 مليار لعدد 715 حساب داخل البنك المركزي . وعن المخالفات التي جاءت في تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات والذي سلمه لمجلس الشوري لمناقشته ، فقد تم رصد بعض المخالفات التي شابت أعمال الصناديق في حساب حصيلة بيع الأراضي بديوان عام وزارة " التنمية المحلية " والذي بين بقاء 24 مليون مجمدة بوزارة التنمية المحلية منذ العام المالي 2005 و 2006 بعد انتفاء الغرض منه لصدور قرار رئيس الوزراء علي أيلولة حصيلة بيع أراضي الدولة بالمحليات لحساب صندوق الاسكان الاقتصادي ولم تتم إحالة هذا الصندوق إلي الموازنة العامة للدولة. اما صندوق إعانة المؤسسات بوزارة التضامن الاجتماعي لم يتم إخضاعه لرقابة وزارة المالية فضلاً عن فتح حسابات بالبنوك التجارية ورصيده 344 مليون جنيه وتضخم الفائض المرحل بالصندوق في 2008 إلي 226 مليون جنيه بزيادة بلغت 99 مليون جنيه دون الاستفادة منه ودون تحقيق الهداف من انشاؤه وإضافة 14 مليون جنيه من 2008 إلي 2011 تمثل مبالغ الإعانات التي لم تصرف في مخصصاتها ، وتحميل الصندوق بنحو مليون و145 ألف جنية قيمة مكافآت واجور بالرغم من أن هؤلاء العاملين أصحاب وظائف دائمة. صندوق أخر وهو صندوق تحسين الخدمة ودعم البحوث المشتركة بوزارة الصحة تبين من خلال عمليات الفحص أنه تم تحميل موازنة الدولة بأعباء إضافية نظير صرف قيمة الدواء لمرضي العلاج علي نفقة الدولة علي اساس سعر البيع وليس الشراء وتجنيب نحو 5.7 مليون جنيه من الحساب تمثل 1% من سعر البيع المحصل من مستشفيات العلاج علي نفقة الدولة واستخدام الحصيلة في صرف العديد من المكافآت التي بلغت 2.1 مليون جنيه لتحفيز العاملين. و تبين صرف نحو 47 مليون جنيه بنسبة 98% من الحساب علي الحوافز والمكافآت لأجور المستشارين والعمالة المؤقتة دون مقتضي اعمال وتضمين إيرادات الصندوق نحو 5 مليون قيمة رسوم طالبي السيارات المجهزة كان يتعين إضافتها وتم صرف مكافآت العاملين بالمجالس الطبية بقيمة 2.8 مليون جنيه وتضمين إيرادات الصندوق نحو 86 مليون جنيه قيمة مقابل الخدمات الوقائية المقدمة من قبل وزارة الصحة والسكان والتي تم تحديدها بقرار وزير الصحة والسكان والتي كان يتعين نقلها لإيرادات الموازنة العامة للدولة. ارقام متضاربة : انطلقت التصريحات التي تُعقب علي أرقام الصناديق الخاصة في مصر عقب إصدار الجهاز المركزي للمحاسبات عن تقريره والذي كشف حجم الفساد الموجود في هذه الصناديق ، فقد قال أبوبكر عبد الحميد مسؤل الصناديق الخاصة بوزارة المالية المصرية في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط أن رصيد الصناديق والحسابات الخاصة التابعة لجهات حكومية بالبنك المركزي تبلغ 33.5 مليار جنيه ، وانه لا حقيقة للغط الدائر بأن الحسابات الخاصة تصل إلي تريليون جنيه ، إن قيمة الحسابات الخاصة للمحليات تبلغ 8.7 مليار جنيه، وهي الأكبر بين الجهات المختلفة. بينما قدر أشرف بدر الدين عضو مجلس الشوري والمختص بملف الصناديق الخاصة رصيد الصناديق والحسابات الخاصة بنحو تريليون و270 مليار جنيه، مؤكداً أنه لو كان لدي الحكومة الحالية إرادة في إنهاء الفساد بتلك الحسابات لفعلت . رأي الخبراء : في البداية أكد كمال محجوب رئيس مجلس إدارة المعارف ان الصناديق الخاصة تم انشاؤها لأغراض معينة وهذه الأغراض منصوص عليها في قرار إنشاء كل صندوق ، والأموال التي تجمعها هذه الصناديق ليس لها علاقة بالتعريفات الموجودة بالموازنة العامة ، وإذا وضعت في الموازنة يكون ذلك بطريقة إحصائية بدون تعريفها ، مضيفاً أن الصناديق إذا حققت فائضاً فقرار إنشاء الصندوق موجود به سبل صرف هذه الفوائض ، مشيراً إلي ان الصناديق الموجوده في مصر تتم مراقبتها عن طريق الجهاز المركزي للمحاسبات والمراقب الداخلي الذي يراقب اداء الصندوق ، مؤكداً أن الحديث عن الصناديق الخاصة ووضعها في الموازنه العامة هو من قبيل المزايدات الإنتخابية ، موضحاً أن أموال الصناديق الخاصة توجه لسد العجز في بعض النواحي التي تهمله الموازنة العامه . وعن تحقيق هذه الصناديق لأرباح طائله قال محجوب أن هذا يحسب لها ولا يعتبر فشل ، وهذا ابسط دليل علي وجود فكر إداري جيد يدير هذه الصناديق . وقال محجوب ان حصر الصناديق في مصر غير موجود ولا نعلم كم الأموال الموجوده بها ، وطالب بأن تكون هناك إحصائيات بأرقام واضحة ، وانه عندما ، نتحدث عن كل صندوق علي حدا ، لا ان نضعهم في بوتقه واحده ، واشار إلي اننا لا نحتاج إلي تشريعات جديدة لإدارة الصناديق الخاصة ، ولكن الغائب هو تنفيذ التشريع ، فعندما نجد إنحراف في صندوق ما نحاسب من قام بهذا الإنحراف . خطوة إيجابية بينما قال اسامة جمال الخبير الإقتصادي ان ضم حسابات الصناديق الخاصة للموازنة العامة خطوة إيجابية لتكون تحت مجهر الرقيب ، ويكون ذلك بعد حصرها ومعرفه ارصدتها المالية ، ، مشيراً إلي ان الأموال التي يتم تداولها في الإعلام والتي تتخطي الترليون جينة مبالغ فيها وغير حقيقية ، وحذر جمال من التعويل علي حسابات الصناديق الخاصة لسد عجز الموازنة مؤكداً انها ستكون اداه مساعده فقط لسد العجز وليست وسيلة رئيسية . مضيفاً انه يجب تشديد الرقابة علي الصناديق من قبل الأجهزة الرقابية علي رأسها الجهاز المركزي للمحاسبات ، والنظر بدقه إلي الأنشطة التي تقوم بها والتأكد من قيامها بدورها التي انشئت من اجله ، مطالباً بمحاسبة المسؤل عن الصندوق ومديريه في حال تقصيرهم او مخالفتهم للأغراض التي انشئ من أجلها الصندوق . حصر الصناديق اما عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية الأسبق فقد أكد صعوبة معرفه قدرة الصناديق الخاصة علي سد عجز الموازنة بسبب عدم وجود حصر لهذه الصناديق ومعرفة الأموال الموجودة بها ، منتقداً غياب الشفافية ، مطالباً في الوقت نفسه بغلق هذه الصناديق وان تؤل أرصدتها المالية إلي الخزانة العامة ، علي أن نعيد فتح صناديق أخري وفقاً للمتطلبات الجديدة ، وفق نصوص تشريعية تحكم عمل هذه الصناديق وتراقب أموالها . وعن الأرقام التي تؤكد تجاوز أرصدة الصناديق الخاصة لترليون جنية أكد الأشعل ان هذه الأرقام مبالغ فيها جداً ، والدليل علي ذلك التضارب في التصريحات التي تخرج من مجلس الشوري ونظيرتها التي تخرج من وزارة المالية.