مع بدء رحلة اللجوء المميتة من سوريا إلى الأردن ثم إلى مصر، هرباً من أحداث العنف والقتل الدموي، كان من الطبيعي أن تدعو العائلات المصرية التي لديها أقرباء في سوريا، أقرباءها إلى النزول لديها. بل أكثر من ذلك، وضعت العديد من العائلات الغنية، أو حتى المتوسطة الدخل، إعلانات عن وجود منازل مجانية للاجئين السوريين وكان من ضمن هؤلاء اللاجئين الحاج أبو نضال وهو أب لثلاثة بنات أكبرهن لم تتعد الثامنة عشر دعاه أحد جيراني وهو من أقربائه للنزول عنده . وكان لي هذا الحوار مع أبو نضال السوري المقيم في سوريا منذ مولده بعد أن زار مخيم الزعتري للاجئين السوريين في مدينة المفرق الحدودية، الذي يضم نحو 30 ألف لاجئ، والذي تحدث عن ظاهرة اجتماعية جديدة بدأت بالانتشار تحمل اسم "زواج السترة". ويقصد "زواج السترة" تزويج الفتيات السوريات، حتى وإن كنّ صغيرات في السن، لأول من يتقدم للزواج بهن، بحجة الستر على شرفهن، من دون وجود شروط ضامنة لاستمرار هذا الزواج، لا شرعية ولا قانونية.. ويكشف عامر أن "هناك عجوزاً أردنياً عمره 70 عاماً أراد أن يتزوج طفلته التي لم يتعد عمرها 12 عاما فقط". "هل هناك أبشع من هذه الجرائم التي ترتكب بحق شعبنا السوري؟"، تساءل أبو نضال، الذي أكد أن هذه الظاهرة ليست جديدة على أبناء المحافظات الحدودية بين سوريا والأردن. ولفت إلى أن «هناك عشائر وقبائل موزعة بين البلدين الشقيقين تتنشر بها هذه الظاهرة. هذا النوع من الزواج معروف قبل الأحداث السورية ولجوء أعداد كبيرة من السوريين اليوم، لكن شروطه مختلفة عن السائدة الآن». ويوضح أن هناك بعض العائلات السورية زوّجت بناتها عن طيب خاطر لأقاربها أو معارفها من الأردنيين حرصاً منها على بناتها، وتجنيباً لهن خوض تجربة المخيمات. ويوضح نضال أن ظاهرة «زواج السترة» هذه بدأت باتخاذ منحى خطير وسيّئ مع ازدياد صعوبة العيش في المخيمات، حيث بدأ السوريون بالبحث عن أي طريقة لإخراج أولادهم وإخراج أنفسهم من حياة الفقر والظروف الصعبة غير الإنسانية. وتؤكد أرقام الزيجات أن الظاهرة في تزايد، وأن هناك إقبالاً على تزويج الفتيات السوريات، لاسيما القاصرات اللواتي لا تتجاوز أعمارهن 14 أو 15 عاماً. وأنه من أهم الأسباب التي تدفع الأسر السورية النازحة إلى تزويج بناتها في سن مبكرة، الظروف المعيشية الصعبة ومخاوف التعرض للاغتصاب. كما يدفع تحديد سن الزواج القانوني عائلات سورية إلى عدم تسجيل الزواج لدى السلطات. وتتحدث تقارير أخرى عن المئات بل الآلاف من الطلبات التي تقدم بها العرب المقيمون في الأردن إلى السلطات القضائية الشرعية للموافقة على طلبات الزواج من سوريات، لا سيما القاصرات. وردا على تلك الممارسات أطلق مجموعة من الناشطين السوريين على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك حملة بعنوان "لاجئات لا سبايا" بهدف التوعية ضد عروض الزواج من اللاجئات السوريات محذرين من عواقبها كامتهان لقيمة الفتاة واستغلال ظروفها. وهاجمت الحملة الدعوات التي انتشرت على المواقع الالكترونية تدعو إلى الزواج باللاجئات السوريات ووصفتها بأنها نخاسة مقنعة في وقت يتعرض فيه المجتمع السوري لأشد صنوف العذاب والقتل والتشريد. وأكدت أم نضال الزوجة على أنهم ليسوا ضد الزواج المتكافئ القائم على أسس صحية وسليمة، ولكنهم ضد أي زواج يحمل اسم زواج السترة أو المساعدة، فالزواج ليس مساعدة، إنه علاقة دائمة ومستمرة يحتاج إنجاحها ظروفاً مناسبة وإرادة حرة وانسجاماً مع تركيبة الأسرة. وقال الدكتور صبري عبد الرؤوف، أستاذ الفقه في كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر: «لا شك أن استغلال الظروف المعيشية لهؤلاء السوريات، وزواج الرجال المتقدمين في السن من فتيات قاصرات في سن أحفادهم أو أقل، أمر مرفوض عقلاً، حتى إن لم يكن محرماً شرعاً، طالما توافرت شروط الزواج وأركانه. لكن يجب أن يعلم هؤلاء أن الأشقاء المنكوبين من اللاجئين السوريين لم يذهبوا إلى دول الجوار ويعيشوا في مخيمات اللجوء البائسة لتزويج بناتهم بأرخص الأثمان، وإنما من أجل الحرية للبلاد والعباد، وواجبنا الرفق بهم وليس استغلال ظروفهم للزواج ببناتهم رغماً عنهن، أو بمهر بخس، أو في زواج مفتقد الكفاءة، أو بدون رضائهن». كما وجه نداء إلى الرجال في دول الجوار السوري قائلا: «ليت الرجال يتخلون عن الأنانية والاستغلال للظروف الصعبة التي تعيش فيها السوريات، وترك الرغبة في زواج السترة إلى الرفق والرحمة التي تنطلق من الأخوة في الدين على اللاجئين جميعاً. وليت الرجال يتأملون قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لو كان الرفق خلقاً يُرى ما كان مما خلق الله شيء أحسن منه»، وقال أيضاً في حديث آخر: «إن الله رفيق يحبّ الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف». كما أشارت الدكتورة وفاء عبد الرحمن أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر إن الزواج «سترة» إذا تم في ظروف طبيعية وبرغبة ورضا الطرفين، بعيداً عن الإكراه أو الاستغلال أو غياب الغايات الكريمة التي جعلت الزواج آية من آيات الله، فقال تعالى: «وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» آية 21 سورة الروم. وهذه الآية تدفعنا إلى التساؤل: «هل زواج السترة يؤدي إلى المودة والسكن والرحمة أم إنه استغلال لظروف قاهرة لنساء لاجئات يعانين وأسرهن من الفقر والقهر وعدم الاستقرار؟». من المؤسف أن بعض الرجال يبتكرون أنواعاً جديدة من الزواج، كالمسيار والمسفار وتكون المرأة هي الضحية، فما بالنا إذا كانت من اللاجئات؟