الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح من مواليد1951, ولذلك فأنا أكبره بسبع سنوات. ولحسن الحظ, فإن ذاكرتي لاتزال واعية لأحداث السبعينيات التي بدأت منذ أواخر الستينيات, مرتبطة بالآثار التي سببتها هزيمة1967 من ناحية, وانتصار1973 من ناحية ثانية. المؤكد أن مرارة الهزيمة سرعان ما تحولت إلي غضب شبابي عارم, وجد ما أعاد تفجيره في أحكام الطيران سنة.1968 وقد تحول هذا الغضب إلي مظاهرات ثائرة, انطلقت من جامعة القاهرة في أواخر شهر فبراير, ولا أذكر اليوم تحديدا. ولكني أذكر أني شاركت في هذه المظاهرات بحكم كوني شابا مصريا غاضبا, أصبح معيدا في كلية الآداب, وساخطا علي من تسبب في كارثة67, ومنهم عبد الناصر نفسه, وظلت المظاهرات مستمرة طوال النهار ولم تنقطع لأيام. ولكن سرعان ما استوعب عبد الناصر الموقف, وأمر بإعادة محاكمة قادة الطيران المسئولين عن الكارثة الجوية التي حدثت في صباح الخامس من يونيو.1967 وقد قابل قيادات الحركة الطلابية, واستمع إليهم واستجاب إلي مطالبهم. وسرعان ما ظهر أثر هذه الاستجابة في بيان30 مارس.1968 وكان البيان نوعا من التثوير للفكر الناصري. وتوفي عبد الناصر في سبتمبر1970 بعد أن بذل جهدا يفوق الطاقة البشرية في إنقاذ المقاومة الفلسطينية ورأب الصدع العربي, لكنه احتفل قبل موته بذكري الثالث والعشرين من يوليو وأعلن تحقيق معجزتين( الوصف من عندي) معا. الأولي إعادة بناء القوات المسلحة, واستعدادها الكامل لاسترجاع الأرض السليبة. والثانية هي الانتهاء من بناء السد العالي. وقد أدركنا نحن الشباب الذي استمع إلي قائده, كم بذل الرجل من صحته وعافيته لكي يحقق ما وعد به. ولا أزال أذكر ملامح وجهه وصوته المجهد الذي لم يفارقه الشعور بأنه أصلح ما أفسده غيره, وما كان مسؤول عنه ضمنا. وجاء السادات بعد موت عبد الناصر, وكان واضحا أنه سيمضي في هدم طريق عبد الناصر والانقلاب عليه. ولم يكن له من حليف يمكن أن يساعده علي تحقيق ذلك, سوي التحالف مع جماعة الإخوان المسلمين التي انقسمت في السجون, وتكاثرت خارجها بدعم سعودي بالدرجة الأولي. والتقارب مع الولاياتالمتحدة واستبدالها بالاتحاد السوفيتي: الحليف القديم للناصرية. وكان الغالب علي طلاب الجامعة, بعد موت عبد الناصر, هو التيار الناصري الوطني لا بالمعني المذهبي وإنما بالمعني العام. ولذلك خرج طلاب الجامعة الغاضبون, وتجمعوا في ميدان التحرير في شهر يناير1972, مطالبين بتعجيل تحرير الأرض, وظلوا معتصمين في ميدان التحرير إلي أن خرجت قوات الأمن المركزي لتكتسحهم في تمام الساعة الخامسة صباحا. وكانت المذبحة دامية, وكتب عنها أمل دنقل قصيدته الشهيرة أغنية وجاءت حرب أكتوبر, وما ارتبط بانتصارها من حملة تديين هائلة( قيل إن الملائكة كانت تحارب مع الجنود في أكتوبر) اعترض عليها كتاب من أمثال أحمد بهاء الدين, رحمه الله. وبعد الحرب, أشعل السادات الضوء الأخضر للإخوان المسلمين الذين أفرج عن قياداتهم, ومنحهم حق إعادة إصدار مجلاتهم التي كان أبرزها الدعوة و الاعتصام. وبدأ التيار الإسلامي يتكون, ويغدو حليفا للسادات في مواجهة التيارات الناصرية والقومية واليسارية..إلخ. ولولا ذلك ما استطاع الطالب الإخواني عبد المنعم أبو الفتوح أن يصبح رئيس اتحاد طلاب كلية طب قصر العيني سنة1973, وأن يعلو نجمه فيصبح رئيس اتحاد طلاب جامعة القاهرة سنة.1975 ويجد دعما له في كلية الطب وغيرها من الكليات العملية التي سهل علي الإخوان اختراق عقول طلابها الذين لم يكونوا يمتلكون من الثقافة النقدية ما لدي أبناء الكليات النظرية لمقاومة الاختراق الفكري بوضع الأفكار الإخوانية موضع المساءلة. ولذلك كان من الطبيعي أن يتسع تأثير الطالب عبد المنعم أبو الفتوح, ويصل إلي ما وضعه في مواجهة السادات في الواقعة الشهيرة, حيث صرخ فيه السادات صرخته الغاضبة: قف مكانك. وكان ذلك قبيل أن يصل تحالف السادات مع الإخوان إلي نهايته, خصوصا بعد أن أدرك أنهم طامعون حتي في سلطته. في تلك الأيام, كان الطالب حمدين صباحي الناصري( أصغر من عبد المنعم أبو الفتوح بثلاثة أعوام يعاني تجربة الاعتقال المتكرر بواسطة الأمن الساداتي, وينظر إليه نظام الحكم الساداتي نظرة عداء قمعي. ولذلك أذكر صورة( في الفيس بوك) لحمدين صباحي بالجلباب والقيد في يده بوصفه ناصريا مطرودا من الجنة الساداتية, مقابل عبد المنعم أبو الفتوح الذي كان مرضيا عليه في أغلب السنوات الساداتية, قبل فض التحالف الساداتي الإخواني. وفي تلك السنوات, أذكر أفعال الجماعة الإسلامية التي أسسها عبد المنعم أبو الفتوح مع أقرانه من طلاب ذلك الزمان البعيد, ولا أزال أذكر الأفعال القمعية التي كان يقوم بها طلاب الجماعة الإسلامية ضد زملائهم المخالفين لهم: ابتداء من الضرب بالجنازير والتهديد بالأسلحة البيضاء, والتصدي السافر لإقامة الأنشطة الفنية بالجامعة, وتمزيق مجلات الحائط الناصرية, انتهاء بالضرب الذي لم يصبني منه ضرر جسدي لحسن الحظ. والأهم من ذلك أن الجماعة الإسلامية التي يفخر السيد أبو الفتوح بتأسيسها لم تقض علي العلمانية المتطرفة الشائعة بين طلاب الجامعة في ذلك الوقت, فما أذكره أنني لم أسمع هذا المصطلح في السبعينيات, ولم تكن هناك علمانية متطرفة شائعة. ولا أذكر طالبا واحدا أعرفه( إلي سنة1973 تحديدا) انتمي إلي الماركسية أو الشيوعية, وجاهر بهذا الانتماء أو دعا إليه, فالنزعة الوطنية كانت الغالبة. وكنا جميعا مسلمين, ولا نزال, نعرف حقوق الله ومبادئ شريعته. ولم نكن ننتظر أحدا يردنا إلي حظيرة الإسلام الذي لا يزال ديننا الذي نرعاه في داخلنا وخارجنا, دون حاجة إلي إخواني أو سلفي, فالدين عند الله الإسلام, ونحن من عباده. وما كان الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح يفخر بأعماله المؤزرة في السبعينيات لولا الأضواء الساداتية الخضراء وتواطؤ نظامها السياسي مع الجماعات الإخوانية. نقلا عن جريدة الأهرام