سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الشرق الأقصي والأدني .. لقاء ثقافي فني مصري في طوكيو حكايات شهر زاد في "ألف ليلة وليلة" وفي الفيلم المصري الآن لقاءات مصرية - يابانية علي جسور الفن والتاريخ والثقافة المشتركة
* الصدمة الحضارية أصابتني أخيراً بفعل الزيارة إلي اليابان. لا اتذكر انها وقعت بنفس القوة حين زرت الولاياتالمتحدة لأول مرة منذ نحو ربع قرن. طوكيو العاصمة الحديثة سيمفونية بديعة.. اوركسترا من الألوان والأصوات الرقيقة. ومن إنسيابية الخطوط وبراعة التصميم والكمال البشري. لا شيء نشازا يؤذي النظر. أو يثير حاسة السمع ويستفزها. لا شيء سوي الإعجاز الممكن. والإنجاز الممنهج والجمال القائم علي الانسجام والتناغم المدروس بين كل ما تلتقطه ببصرك وبصيرتك من تكوينات وتشكيلات معمارية وأيضاً مساحات للحدائق. والغابات التي تكسو الجبال والزهور علي الأرض. والسلوك اللافت لإنسان تربي علي قواعد الانضباط وصرامة التطبيق. وقداسة الوقت. والوعي بالدروس القاسية التي خلفها التاريخ. وبالذات أحداث الحرب العالمية الثانية وماجري من تدمير وخراب هائلين للمدن اليابانية. وأشهرها مدينتا هيروشيما ونجازاكي التي خلدتهما السينما. كشفت تجربة القنبلة الذرية الأمريكية عن بزوغ "امبراطورية الإرهاب الكبري" وكان ذلك قبل أيام من إسدال الستار علي المعارك وبعد استسلام اليابان وهزيمتها وتحقيق الحسم النهائي لهذا الصراع العالمي بانتصار الحلفاء. و في هذا التوقيت وحسب رأي المحللين السياسيين والعسكريين لم يكن هناك ضرورة عسكرية تحتم قتل وتشويه مئات الألوف من الأبرياء في المدن اليابانية سوي الإعلان المدوي عن اختراع أمضي أسلحة الدمار الشامل "القنبلة الذرية" وتنصيب الولاياتالمتحدةالأمريكية عرش القوة العظمي ومن ثم بداية معارك الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي التي تجسدت في عشرات الأفلام علي الجانبين. زيارة اليابان بالنسبة لي اضافة أعمق لمفهوم الإرهاب. وتفسير صارخ ومؤلم لمعني أسلحة الدمار الشامل التي "بسببها" شنت أمريكا الحرب علي العراق. فمن مظاهر الإرهاب أيضاً اختلاق أسباب لممارسته. وتقنينه تحت دعاوي كاذبة ومزيفة كما ثبت من معارك "الحرب علي الإرهاب" بعد سبتمبر "11" التي مازالت دائرة ولا أحد يدرك إلي متي سوف تستمر! السينما وجراح التاريخ لم تستطع السينما العالمية ولا اليابانية أن تضمد جراح الحرب وإن خلدتها في مئات الأعمال ولكن اليابان استطاعت أن تتجاوز الخراب الذي حل عليها بسبب الهزيمة العسكرية والقنبلة الذرية بشعار "نعم نستطيع" وهو شعار "أوباما" الذي تم تطبيقه في اليابان منذ زمن ليس قليلا. فلا شيء مستحيلا حسب ما تقول الصور الحية لطوكيو العاصمة وحسب ما أسفرت عنه التجربة اليابانية. في ندوة "تأثير الثقافة العربية علي السينما العالمية" وهو أحد الموضوعات التي اخترت شخصياً الكلام فيها. وكانت في جامعة طوكيو. التي اصطحبني إليها المستشار الثقافي المصري الدكتور محمود مصيلحي.. لم استطع أن أحبس أنفاسي من فرط الإعجاب. ليس فقط بالجمال والتنسيق والرحابة والأناقة البادية في كل شيء حتي في طريقة وضع "عشرات العجلات" التي يستخدمها الطلبة وبعض الأساتذة في الانتقال بدلاً من السيارات علماً بأن اليابان هي بلد السيارات. وفي شوارع طوكيو تفاجأ بموديلات من كل الأحجام والتصميمات ليست موجودة في شوارع القاهرة رغم إعجابنا في مصر بالسيارة اليابانية. الإعجاب متبادل لكن الاعجاب بمصر أيضاً تلمحه من خلال الشهر الثقافي المصري الذي أقيم في طوكيو.. أعدت بنوده في مصر العلاقات الثقافية الخارجية في وزارة الثقافة برئاسة الدكتور حسام نصار بالتعاون مع المركز القومي للسينما برئاسة الدكتور خالد عبدالجليل. وتولت الإعداد له والاشراف عليه وتنظيمه في اليابان نخبة المصريين أعضاء السلك الدبلوماسي في سفارتنا بطوكيو تحديداً الدكتور وليد عبدالناصر سفيرنا هناك. والمستشار الثقافي الدكتور محمود مصيلحي. والملحق الثقافي الدكتور جاد القاضي الذي تعلم في جامعات اليابان ويجيد اللغة اليابانية. بالإضافة إلي الملحق الإعلامي "أحمد" وكما تري مجموعة من المصريين الممتازين والأكفاء علي كل المستويات ثقافياً. ودبلوماسياً. وأكاديمياً.. شارك في هذا النشاط كثيرون منهم فنانون تشكيليون.. مثل الفنان السكندري عبدالسلام عيد الذي ترك بانطباعاته وتحليله الفني للمظاهر التي تميز مدينة طوكيو أثراً قوياً في نفوس كل من التقاهم. الطلاب وأستاذ التاريخ من بين الطلبة والطالبات الذين جاءوا للاستماع ومشاهدة فيلم "احكي يا شهر زاد" من يدرس تاريخ الشرق الأوسط. والتاريخ الإسلامي. واللغة والخطوط العربية. وواحدة منهن فأجأتني بأنها تدرس "الفتاوي الدينية" "الفتوي" وقد أدار الندوة استاذهم البروفيسور "أوتوشي" استاذ التاريخ المصري المتخصص في حقبة المماليك وهو يزور مصر مرة أو مرتين في العام. ويعشق منطقة مصر القديمة ويسكن عادة في "عزبة خير الله" "!!" أو في "اسطبل عنتر" ومغرم بطبق الفول ومن اصدقائه المصريين المقربين الدكتور عماد أبو غازي الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة! يحب اوتوشي القاهرة من دون تحفظ للدرجة التي جعلتني أصفه بأنه هو نفسه بمثابة انتاج مشترك بين مصر واليابان. انتاج أكثر قيمة وعمقاً بالطبع من الأفلام اليابانية المشتركة ومن الفيلم الياباني الذي تم تصويره في مصر في الستينات من بطولة شادية وكمال الشناوي. وقد قام بعرضه وشرحه للمتفرجين اليابانيين وفي حضور عدد من المهتمين بالتاريخ وبالسينما المصرية وأيضاً في حضور ممثل لشركة مصر للطيران التي أصبح لديها ست رحلات أسبوعياً من القاهرة إلي طوكيو وأربعة إلي "كيوتو" فالسائح الياباني سائح ثري ويحب المنتجات المصرية وأفضل اقتصادياً من السائح الأوروبي.. فالطيارة المصرية إلي ومن طوكيو تجدها عادة مليئة باليابانيين. وفي اطار هذا النشاط الثقافي المصري في طوكيو نظم المركز الإعلامي والسياحي المصري مسابقة يحصل الفائز فيها علي تذكرة ورحلة إلي القاهرة. ضمن وسائل التنشيط السياحي وحسب قول السفير المصري دكتور وليد عبدالناصر هناك عدد لا بأس به "500 تقريباً" من الطلبة الأكاديميين المصريين يدرسون في جامعات اليابان.. وفي تخصصات مختلفة. وفي مكتبة أستاذ التاريخ "اوتوشي" عشرات الأفلام المصرية. ويقول انه اشتري للجامعة ألفي "2000" فيلم "فيديو كاسيت" ولدي الجامعة أيضاً عشرات من الكتب العربية موجود بعضها في مكتبه بالجامعة. المركز القومي للسينما هذا المركز كما رأيته لا يقل "قداسة" عن المعبد من حيث النظام والهدوء والاناقة وبالطبع النظافة اللافتة في كل مكان. حتي في دورات المياه العمومية في ساحات المعابد.. هذا المركز يعد مؤسسة قومية ضمن متحف الفن الحديث. وهو عضو الاتحاد العالمي لأرشيف الفيلم. ومن وظائفه التي ينفرد بها جمع وحفظ وترميم الأفلام اليابانية والأجنبية والشرائط المصورة والمواد الفيلمية. ومن ضمن نشاطاته عروض للأفلام تحت موضوعات متنوعة بالإضافة إلي مكتبة سينمائية عامة.. وبالتعاون مع وكالة الشئون الثقافية اليابانية يختار المركز نخبة جيدة من الأفلام للعرض في الصالات المنتشرة علي امتداد اليابان والترويج لها وعمل ندوات حولها. ومن نشاطاته أيضاً تبادل المعلومات علي مستوي العالم مع مراكز السينما الأخري الأعضاء في الأرشيف العالمي للفيلم.. ومن المصادفات الجميلة توافق زيارتي للمركز مع الاحتفال بالذكري المئوية للمخرج الياباني الأشهر أكيرا كيروساوا "1910 1998" أكثر صناع الفيلم شهرة خارج اليابان.. ويعتبر مع مخرجين يابانيين من أمثال "جيرو ياما موتا" و"ياشيرو أوزو" من أستاذة الفن السابع الذين صبغوا هذا الاختراع الغربي باللون والثقافة والتقاليد والقيم اليابانية. وكيروساوا أكثر من برع في استخدام امكانيات الصورة. وتوظيف المهارات التقنية الحديثة والمتطورة في أفلام تختصر المسافة بين التقليدي والحديث. والقديم والجديد وثقافات الشرق والغرب وبين التاريخ واسقاطاته الهامة علي الحاضر المعاصر.. وتميز كذلك في تصويره الحي المفعم بالنزعة الإنسانية وبالفهم للشخصيات التي يحركها في أفلامه التي يكتب لها في العادة السيناريو أو يشارك في كتابته.. من أكثر أفلامه شهرة "راشمون" "1951" الذي حصل علي الأوسكار كأفضل فيلم أجنبي وعلي جائزة أحسن فيلم في مهرجان فينسيا بإيطاليا. انه الفيلم الأول الياباني الذي يعرف علي نطاق واسع في الدول الغربية. ويعتبر علامة في مسيرة السينما العالمية ومن أفضل مائة فيلم يختارها النقاد في الغرب وفي الكتب والدراسات السينمائية. وهذا الفيلم تحديداً "راشمون" أعادت هوليوود انتاجه واخضعته إلي نوعية أفلام الويسترن "الكاوي بوي" في فيلم بعنوان "نوبة غضب" " outrage" عام 1964 وهو واحد من ثلاثة أفلام لنفس المخرج الياباني أعيد انتاجها في قلعة السينما الأمريكية.. والفيلم يطرح لأول مرة علي الشاشة "نسبية" الحقيقة بمعني أن الحقيقة ليست مطلقة وإنما نسبية ويمكن للحدث الواحد أن يحمل أكثر من جانب للحقيقة وأكثر من منظور مثلما تجسد ذلك في فيلمه "راشمون". لقد كان للثقافة والفنون العربية مكان في السينما العالمية منذ اختراع الصور المتحركة.. فما أكثر ما اقتبس من "ألف ليلة وليلة" وما أكثر تأثيرها ليس فقط علي صناع السينما وإنما أيضاً علي الكتاب والشعراء والرسامين في الغرب وما أكثر من تأثير التاريخ القديم والحضارة المصرية علي هذا الفن وفنون الغرب عموماً وأيضاً للخطوط العربية بمدارسها تجليات علي الفنون العالمية وثقافة الشرق بشكل عام والثقافة اليابانية والصينية والهندية بشكل خاص تأثيرها العميق علي ثقافات الغرب وفنونها.. ولعل الساموراي وفنون القتال الآسيوية تذكير باستمرار هذا التأثير. ** عرض في هذه المناسبة.. أفلام "احكي يا شهر زاد" "المصير".. "هليوبوليس" وأفلام يابانية مشتركة مع مصر.. بالإضافة إلي عروض فنية.. إلي جانب المحاضرات المرتبطة بهذه المناسبة.