قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني شهدت تطورات دراماتيكية متلاحقة خلال الأيام الماضية.. وأثارت عاصفة من الجدل علي جميع المستويات. حتي وصل هذا الجدل إلي رجل الشارع البسيط! بدأت الأحداث بإعلان تنحي هيئة محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار محمود شكري عن نظر القضية وبرر ذلك بوجود ضغوط علي هيئة المحكمة وانه كقاض يرفض التدخل في عمل القضاء باعتبار انه لا سلطان عليه سوي ضميره المهني. تزامن مع ذلك أو تلاه مباشرة - صدور قرار بالغاء حظر السفر علي 16 أمريكيا بعد تقدمهم بتظلم للمحكمة وبرر المستشار عبدالمعز ابراهيم رئيس محكمة استئناف القاهرة قبول التظلم بأنهم محالون للمحاكمة علي ذمة جنحة وليست جناية فتم رفع حظر السفر بكفالة كبيرة. الأكثر مدعاة للتساؤل والإثارة هو ما تردد حول وصول طائرة عسكرية أمريكية لنقل هؤلاء المتهمين إلي قبرص. وإذا كان تصنيف المتهمين يشير إلي انهم 19 أمريكيا وخمسة صربيين واثنان من الألمان و14 مصريا فإن ذلك يثير علامات استفهام عديدة ويضفي علي القضية مزيدا من الاثارة والغموض! ولا شك.. ان إعلان تنحي هيئة المحكمة عن نظر القضية وتبرير هذا التنحي بوجود ضغوط عليها لاتخاذ قرارات بعينها يشير إلي أن قضاءنا الشامخ قد ارتدي ثوبا جديدا بعد الثورة وانه لم يعد يخضع لإملاءات سياسية أو ضغوط من أي نوع خصوصا ان القضية معقدة ولها أبعاد سياسية داخلية وخارجية متشابكة! يأتي بعد ذلك قرار إلغاء حظر السفر بالنسبة للأمريكيين وتبرير ذلك بأنهم متهمون في جنحة وليس جناية.. وأن كلاً منهم سدد كفالة قدرها مليونا جنيه مع أن الكفالة في هذه الحالة لا تتجاوز 300 جنيه!! هذا التبرير.. يأتي مناقضا لموقف انسحاب هيئة المحكمة من القضية.. إذ إن معني ذلك تغليب "سطوة المال" علي سلطة القانون.. وذلك - ما لا يقبله عقل أو منطق - وكان من الممكن التحدث عن وجود صفقة من نوع ما. كتبادل للمتهمين أو المجرمين بين مصر وأمريكا وهذه تعتبر صفقة سياسية.. بدلا من أن نضع القانون في كفة والمال في كفة! يترتب علي ما سبق تساؤل آخر وهو: ما مصير بقية المتهمين؟! وهل يمكن إطلاق سراحهم - ولا أقول السماح لهم بالسفر - مقابل 300 جنيه لكل منهم. ما دام هذا لا يتعارض مع القانون..؟! ثم يأتي وصول الطائرة "العسكرية" لنقل الأمريكان إلي قبرص.. ألا يشير ذلك - ولو من طرف خفي - إلي أن المسألة قد اصطبغت بصبغة فيها نوع من استعراض القوة.. وإلا فلماذا لم يتم التنسيق لسفرهم بشكل طبيعي علي طائرة مدنية؟! وكما سبق وقلت.. فإن القضية شائكة وتحمل أبعادا داخلية وخارجية متشعبة ومعقدة.. ويمكن تصنيفها تحت مسميات لا حصر لها.. كما أنها بين طرفين غير متعادلي القوة بمعايير السياسة الدولية.. ومن هنا يمكن فهم الملابسات التي أدت إلي هذه التطورات.. لكن تعدد جنسيات المشاركين فيها يجسد عصر العولمة بكل ما يحمله من سلبيات.. وبكل ما ينطوي عليه من تآكل "ممارسات" الحكومات وضحالة سيطرتها علي الأصعدة الداخلية للدول! يبقي سؤال أخير أوجهه للذين يهاجمون قرار إلغاء حظر السفر. وهم لا يدركون عواقب الأمور: ماذا لو غامرت "الامبراطورية الأمريكية" والقوة العظمي الأولي في العالم بإرسال قوة من المارينز إلي السفارة الأمريكية واختطفت هؤلاء المحتمين بالسفارة علي غرار ما حدث عندما قصفوا مقر بن لادن في باكستان.. هل كان موقفنا سيصبح أفضل؟! ** أفكار مضغوطة: كل شريعة تؤسس علي فساد.. فهي شريعة باطلة! "سعد زغلول"