من بين الأصوات الكثيرة الزاعقة هذه الأيام.. الراكبة للموجة والقافزة علي أكتاف الثورة.. يأتي صوت هذا الشاب الخجول هادئاً رزيناً عندما يتحدث.. قوياً مقنعاً وصادقاً.. غير مفتعل ولا مدع ولا مزايد.. هو الثائر الحق فعل منذ أن رأيناه أول مرة علي شاشة التليفزيون يغطي وجهه من الأضواء والكاميرا.. ويقول لمحدثيه: لست زعيماً ولا أصلح أن أكون زعيماً.. هناك في الثورة من هم أفضل مني وبذلوا تضحيات أكثر مما بذلت. إنه وائل غنيم الذي يثبت يوما بعد يوم.. وبالممارسة الفعلية والخطاب العقلاني أنه فعلا أيقونة الثورة المصرية.. الذي يشبهها وتشبهها بكل سماته.. عبقريته.. تواضعه.. إيثاره.. موضوعيته.. احترامه لنفسه وللآخرين. كثيرون ممن شاركوا في الثورة وممن لم يشاركوا يملأون الدنيا ضجيجا الآن.. يصرخون ويهددون ويتوعدون.. وينشرون الفزع بين الناس مما قد يحدث غدا أو بعد غد.. كثيرون ممن يتحدثون باسم الثورة يبحثون عن مكاسب شخصية أو فئوية.. يبحثون عن شهرة ومكانة وأحياناً عن لقب.. كثيرون تحزبوا وانجازوا ودخلوا في معارك.. وانضموا لهذا الطرف ضد ذاك.. وبقي وائل غنيم بعيداً عن ميادين الصخب ومهرجانات الجوائز وتقسيم الغنائم. وكلما طل علينا بتصريح أو بأحاديث عبرالصحف ووسائل الإعلام أضاف إلي رصيده العقلاني رصيداً جديداً يبعث علي الثقة والاحترام.. ويبعث فينا راحة نفسية تجاه المستقبل الآمن لهذا البلد الذي تتقاذفه أمواج هائجة وطائشة.. ومما يؤسف له أن هذه الأمواج المخيفة يتم تصديرها من الخارج أحيانا.. وأحيانا أخري من أناس يفترض فيهم العقل والاتزان.. وتبلغ أعمارهم ضعف ما بلغه وائل غنيم. ولاشك أن مصر عامرة بشباب جميل ورائع مثل وائل.. وعلينا أن نبحث عنهم وسط طوفان المزايدين والمشككين والمتآمرين.. وعليهم أن يتحدثوا لكي نسمعهم ونعرفهم ونضعهم في الصفوف الأولي.. ولا يتركوا الساحة للباحثين عن دور والمتكسبين من ادعاء الثورية. واذا كان هناك من يجتهد في تسفيه كل ما أنجزته الثورة حتي الآن.. وتشويه كل ما تحقق ويتحقق والإساءة إلي المجلس العسكري والحكومة والانتخابات ويتوعد بثورة جديدة يوم 25 يناير فإن وائل غنيم يقول بصوت العقل انه لابد من التعاون مع اعضاء مجلس الشعب الجديد من أجل وضع مصر علي الطريق الصحيح.. خاصة أنهم يمثلون الشرعية والديمقراطية التي نادت بها ثورة 25 يناير. وبعيداً عن المزايدين والمدعين كتب وائل غنيم في صفحته علي الفيس بوك: أعضاء مجلس الشعب القادم هم أول من انتخبهم المصريون بعد الثورة.. وأول مجلس شعب مصري اختاره الشعب بدون تزوير لإرادته.. يجب أن نعمل مع اعضائه علي ترتيب أولوياتنا وتحقيق مطالب وأهداف الثورة من انتقال كامل للسلطة من المجلس العسكري إلي رئيس وبرلمان وإنهاء الفترة الانتقالية في أسرع وقت.. المجلس هو الجهة الشرعية الممثلة للشعب المصري لأن أكثر من 25 مليون مصري شاركوا في اختيار اعضائه.. اتفاقنا أواختلافنا مع فكر أي فصيل في المجلس ليس له علاقة بشرعية اختيار الشعب المصري لهذا الفصيل.. نزلنا يوم 25 يناير للمطالبة بالحرية والديمقراطية وعلينا أن نحترم نتائجها. هذا هو صوت الثورة الحقيقية.. الواعية.. الوطنية.. وليس صوت من يحرضون ويشاغبون ويزايدون.. ويطالبون بمنع انعقاد مجلس الشعب.. ويفرغون الثورة من مضمونها.. ويريدون الانتقام من كل ما هو مصري.. حتي يظل البلد مشتعلاً علي الدوام بحوادث طائفية احيانا وفئوية احيانا أخري وشهداء ومصابين في كل يوم. في موضع آخر يقول وائل غنيم: "لسنا ضد الجيش.. فلا أحد ضد جيش بلده.. نريد أن نصل بمصر لدولة ديمقراطية ينتخب الشعب فيها الرئيس وأعضاء مجلس الشعب وأعضاء المجالس المحلية وغيرها من الوظائف التي يجب انتخاب ممثليها.. نريد دولة فيها كل المؤسسات خاضعة لرقابة من وثق فيهم الشعب بما فيها المؤسسة العسكرية التي نقدر دورها الحيوي في الدفاع عن مصر. وفي لقائه مع شيخ الأزهر أمس الأول علي رأس وفد من شباب الثورة قال: "ان شباب الثورة يؤمن بدور الأزهر الايجابي في رسم مستقبل مصر فهو يعطي الحكم وعلينا الطاعة والحماس.. انني وشباب الثورة والائتلافات المختلفة كل ما يشغلنا هو التزام المجلس العسكري بالجدول الزمني لتسليم السلطة للمدنيين دون تأخير. وفي قمة التواضع يقول لصحيفة "نيويورك تايمز": "علي الرغم من أن وسائل الاعلام الغربية تحب ان تصورني علي أنني وجه الثورة المصرية الا أنني لا أشعر بأنني كذلك.. واذا كان هناك بعض الناس الذين يقدرون ما قمت به إلا أن الثورة كانت حرفيا بدون قائد". هذا هو وائل غنيم وجه الثورة السلمية.. الذي يعرف جيدا ان التغيير صراع طويل يحتاج إلي الصبر والتحمل.. ويعرف أن أهداف الثورة لن تتحقق بالعنف والحرق والتدمير والمولوتوف وانما بالحوار والتعاون والالتزام بالشرعية.. وهو يختلف تماماً عن الثورجية والمدعين ومشعلي الحرائق.. فقط لأنه ثائر حقيقي.