واقعة مؤسفة تعرَّض لها الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية حينما خرج من دار الإفتاء أمس حيث وجد في انتظاره المئات من الشباب والفتيات الذين لهم أنشطة في شركة "التسويق الشبكي" ومن خلالها يحصلون علي مكاسب مادية هائلة يطالبونه بالتراجع عن فتواه بأن هذه الأنشطة حرام شرعاً. حاول المفتي استقلال سيارته المرسيدس فوقف الشباب والفتيات أمام السيارة فاضطر العاملون بدار الإفتاء أن يخرجوه من السيارة ليستقل تاكسي أجرة بأعجوبة. لم يجد الشباب وسيلة سوي أن هاجموا المفتي بالسب والشتم في الوقت الذي حرص فيه د.جمعه ألا يسيء لأحد منهم أو إبلاغ الشرطة. كانت أمانة الفتوي قد أصدرت فتوي سابقة بجواز "التسويق الشبكي" الذي قدمته إحدي الشركات المتخصصة ويعتمد علي بيع الشركة لسلعة أو خدمة لأحد عملائها الذي يقوم هو بدوره بتسويق ما تروجه الشركة في مقابل حافز مادي يأخذه كلما جاء عدد معين من المشترين الآخرين يمتدون في شكل ذراعين متوازنين ويزيد الحافز كلما زاد عدد المشترين المتجددين. ولكن بعد دراسة نشاط الشركة أكد الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية أن هذه المعاملة حرام شرعاً لآثارها السلبية علي الاقتصاد وإخلالها باتزان السوق ومفهوم العمل وفقدان المتعامل فيها للحماية القانونية والرقابة المالية المطلوبة فضلاً عن كون السلع فيها صورية لا تقصد لذاتها غالباً. أوضحت أمانة الفتوي في فتوي جديدة ومفصلة أنها قد وردت إليها أسئلة كثيرة عبر منافذ الفتوي المختلفة عن حكم التسوق الشبكي وتم تأجيها لحين استكمال بحثها ودراستها مشيرة إلي أنها قد أصدرت من نحو ستة أشهر فتوي بجواز هذا النوع من المعاملات ثم امتنعت عن إصدار حكم بشأنها بعد ذلك لحين الانتهاء من دراستها وشرحت أسباب تراجعها عن الفتوي السابقة مؤكدة أن الفتوي تمر بأربع مراحل أساسية في ذهن المفتي هي التصوير والتكييف وبيان الحكم ومرحلة التنزيل وإصدار الفتوي وأهم هذه المراحل هي مرحلة التصوير إذ ينبني عليها ما بعدها من تكييف وبيان حكم وتنزيل فالتصوير الدقيق المطابق لواقع النازلة المسئول عنها شرط أساسي لصدور الفتوي بشكل صحيح.. وكلما كان التصوير صحيحاً مطابقاً للواقع وأجريت المراحل التالية: علي الوجه المرضي. كانت الفتوي أبعد عن الخطأ وأقرب إلي تحقيق مقاصد الشرع الكلية ومصالح الخلق المرعية. وانعدام هذا الشرط يؤدي إلي أن تكون الفتوي الصادرة غير معبرة عن حقيقة الأمر. وعن ذلك عبر العلماء بقولهم: "الحكم علي الشيء فرع عن تصوره" وعبء التصوير أساساً يقع علي السائل. لكن المفتي ينبغي عليه أن يتحري بواسطة السؤال عن الجهات الأربع التي تختلف الأحكام باختلافها. وكثيراً ما يتم الخلط والاختلاط من قبل السائل بشأنها. وهي الزمان والمكان والأشخاص والأحوال. كما ينبغي علي المفتي أيضاً أن يتأكد من تعلق السؤال بالفرد وبالجماعة» لأن الفتوي تختلف باختلاف هذين الأمرين. أضافت: تزداد أهمية تصوير الفتاوي إذا تعلقت بالمعاملات المستحدثة» كما هو الحال في التسويق الشبكي والتسويق الهرمي. وقد تبين أن لهذا النوع من المعاملات تأثيرات اقتصادية واجتماعية واسعة المدي بعد ازدياد الشكوي منها ومن آثارها» ولذلك أحجمت أمانة الفتوي بدار الإفتاء المصرية عن استمرار الفتوي بحلها حتي تستجمع المعلومات المتاحة حول هذه المعاملات وتدرس مآلاتها والاثار التي يمكن أن تسببها علي الاقتصاد المحلي. واجتمعت أمانة الفتوي في هذا الصدد بالأطراف ذات الصلة بهذه المعاملة» حرصاً علي الاطلاع المباشر علي تفاصيلها. ملتزمة بالنظر في واقع المعاملة في مصر. فقابلت الأمانة في هذا السياق: مسئولاً عن تسويق إحدي معاملات التسويق الشبكي بإحدي الشركات الممارسة لها في الشرق الأوسط» لبيان الإجراءات التي تتم من خلالها المعاملة. وتوضيح بعض مواطن الغموض في ممارستها. كما التقت أيضاً بعض الأطراف المعارضة لممارسة هذا النوع من المعاملات» للوقوف علي مدارك رفضهم لممارساتها. إضافة إلي بعض خبراء الاقتصاد والاجتماع» لبيان هذه الجوانب التي تتعلق بها سلباً وإيجاباً. وبعد هذه الاجتماعات تبين للأمانة أنه لابد من التقرير والتأكيد لأصول وأسس مهمة تكشف عن أهم ملامح سياق هذا النوع من المعاملات. ومن أهم هذه الأمور: أن الراجح من آراء الخبراء الاقتصاديين عدم التفرقة بين التسويق الشبكي والتسويق الهرمي. لما تشتمل عليه المعاملتان من الاشتراك في الاعتماد علي مفهوم التسويق المباشر. إضافة إلي تبني مفهوم التسويق التشعبي المبني علي التشجير والأذرع. وهذا يعني أن التسويق الشبكي والهرمي هما من قبيل الأشباه. كما أن هذا النوع من التسويق له خصائص يمكن رجوعها إلي أمرين: الأول: تخفيض تكلفة التسويق والترويج عن طريق تقليل الوسائط والبيع المباشر والثاني: التحكم في التوزيع من خلال المعرفة الدقيقة بحركة المنتجات والعميل.