لم يكن مفاجئا ولا صادما ذلك القانون الذي أصدره الكنيست الإسرائيلي في 19 يوليو الماضي المعروف ب "قانون القومية اليهودية للدولة" الذي جعل أرض فلسطين كلها حقا خالصا لليهود وحدهم.. سواء الذين يعيشون فيها حالياً أو الذين يعيشون في دول أخري.. وحَّول الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين إلي رعايا أجانب بلا حقوق في وطنهم.. الذين فوجئوا وصدموا من القانون هم الذين يتصورون أن إسرائيل ترغب حقا في السلام. كان معروفا أن المشروع الاستعماري الصهيوني يعمل من أجل هذه اللحظة ومن أجل هذا الهدف منذ انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا أغسطس 1897 حين جري تحديد الهدف لهذا المؤتمر في "إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين".. ثم جاء وعد بلفور في 1917 ليؤكد نفس الهدف بنفس العبارة "إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين".. وظلت إسرائيل تعمل بجد وثبات علي مدي السنين الطوال لتقترب خطوة خطوة من تحقيق الهدف حتي في ظل مفاوضات السلام الشكلية.. ولعلنا نذكر أن مطلبها الرئيسي في المراحل المتأخرة من المفاوضات مع محمود عباس تركز علي ضرورة اعترافه بيهودية إسرائيل.. فلما لم يعترف توقفت المفاوضات ومازالت متوقفة.. تضمن النص النهائي للقانون العنصري 11 بندا جاء فيها أن "أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي. وفيها قامت دولة إسرائيل".. وأيضا "دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي. وفيها يقوم بممارسة حقه الطبيعي والثقافي والديني والتاريخي لتقرير المصير ممارسة حق تقرير المصير في دولة إسرائيل حصرية للشعب اليهودي والقدس عاصمة الدولة الكاملة والموحدة". كما نص القانون علي رعاية إسرائيل لكل يهود العالم بصرف النظر عن دولهم.. وجاء فيه "تهتم الدولة بالمحافظة علي سلامة أبناء الشعب اليهودي ومواطنيها الذين تواجههم مشاكل بسبب كونهم يهودا أو مواطنين في الدولة. كما تعمل للمحافظة علي العلاقة بين الدولة وأبناء الشعب اليهودي في الشتات. وصيانة ميراثهم الثقافي والتاريخي والديني".. كما نص القانون علي اعتبار الاستيطان قيمة قومية عليا. وحقا لليهود وحدهم. تعمل إسرائيل علي تشجيعه ودعم إقامته وتثبيته. إنه القانون الأخطر والأكثر توحشا منذ إنشاء دولة إسرائيل.. وما كانت تجرؤ عليه حكومة إسرائيلية إلا في ظل ظروف كتلك التي نعيشها. فالعرب والمسلمون مفككون لا تجمعهم كلمة.. وأمريكا يحكمها رئيس أكثر صهيونية من الصهاينة اليهود.. والرأي العام العالمي غير مهتم. بل متواطئ. ولذا صدر القانون تكريسا لنظام الفصل العنصري والتطهير العرقي علي المنوال الذي حكمت به الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا وتمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني لتحقيق أهدافها في مصادرة الأراضي والأملاك وتهجير المواطنين العرب واستبعاد القدس نهائيا من المفاوضات باعتبارها العاصمة الموحدة لإسرائيل. باختصار.. جاء القانون لينسف كل أمل للسلام أو التعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين ويلغي فكرة الدولتين وحق العودة ويفرض إدامة الصراع وتصعيده.. ليس فقط في الضفة وغزة.. وإنما في كل أرض فلسطين التاريخية. لقد رأت إسرائيل أن الوقت مناسب لاستئصال الشعب الفلسطيني من أرضه وإخراجه من التاريخ .. ولذلك سيكون علي هذا الشعب التشبث بهويته والدفاع عن وجوده وأرضه في مواجهة حرب الإبادة.. وسيكون علي العرب جميعا إدراك حقيقة اللحظة التاريخية الفاصلة.. فقد وصل الصراع مع إسرائيل إلي الذروة.. وصارت تمثل تهديدا مباشرا للجميع.. وتفرض علي المنطقة حربا دينية.. ولذلك وجب عليهم القيام بتحرك جماعي فاعل حماية لبلادهم ولفلسطين ولا يكتفوا بعبارات الشجب والإدانة التي اعتادت عليها إسرائيل وأحبتها.