تطور إيجابي بلا شك أن يعلن رئيس وزراء أثيوبيا الجديد أبي أحمد التزام بلاده بعدم الإضرار بحصة مصر في مياه النيل . هذه أول مرة يعلن فيها هذا الالتزام بكلام مباشر وواضح ومحدد من جانب إثيوبيا والسودان معا منذ أن بدأت أزمة سد النهضة . ويزيد من أهميته أنه أعلن قبيل ساعات من انطلاق جولة المفاوضات الحالية في العاصمة الاثيوبية أديس ابابا علي مستوي وزراء الري والخبراء . كانت تصريحات الجانب الاثيوبي إبان حكومة رئيس الوزراء السابق هيلي ماريام ديسالين تتحدث في العموم بأنهم لن يقبلوا الإضرار بمصالح الأصدقاء . وأنهم سيعملون علي تفادي أية آثار جانبية سلبية علي الدول الصديقة . ولم تمنع هذه التصريحات المائعة بعض المتشددين في حكومة ديسالين من إعلان التحدي أحيانا بأنهم غير مسئولين عن أية أضرار تلحق بمصر من جراء بناء السد . وكان ذلك يزعجنا ويهز ثقتنا ويثير مخاوفنا من وجود نيات غير طيبة تجاه تدفق النيل . ودعم هذا الانزعاج الدائم لجوء حكومة ديسالين إلي التسويف وعدم إنجاز أي اتفاق وعدم الاستجابة لأية ملاحظات في الوقت الذي تستمر فيه أعمال بناء السد علي قدم وساق لاكتساب الوقت حتي تضع مصر أمام الأمر الواقع . الآن سمعنا كلاما جيدا إذ قال أبي أحمد في مؤتمر صحفي أثناء زيارته للسودان إن سد النهضة لن يلحق ضررا بحصة مصر في مياه النيل وأن بلاده لا ترغب في إلحاق أي ضرر بمصر . وأنهم يعملون علي خفض الجانب السلبي لمشروع السد . وقال الرئيس السوداني عمر البشير إن حصة مصر في مياه النيل لن تتأثر بإنشاء سد النهضة . وزاد علي ذلك مؤكدا : ¢ بالنسبة لنا هناك التزام قاطع بأن حصة مياه إخوتنا في مصر لن تتأثر بالسد ¢. حسنا جدا . هذا كلام يجب أن نهتم به ونقدره . ونعمل علي تطويره . لتتسق الأفعال مع الأقوال . إذ الأقوال وحدها لا تصلح أن تكون أساسا للعلاقات بين الدول . ولذلك يجب أن تكون هناك سلوكيات جيدة تؤكد وتدعم هذه التصريحات الرسمية ولا تتركها معلقة في الهواء . والخطوة الأولي في هذا الاتجاه يجب أن تأتي من ترجمة الالتزام الثنائي إلي اتفاق مكتوب وملزم يؤكد الاتفاقات القديمة بخصوص حصة مصر ويجددها ويعمق الثقة التي اهتزت كثيرا خلال الفترة الماضية . ثم تأتي الخطوة التالية بالنظر الجاد في تقارير المكتب الفني الفرنسي حول التأثيرات السلبية للسد علي مصر تحديدا . وهو التقرير الذي رفضت إثيوبيا التعامل معه في الاجتماع الثلاثي الأخير بالخرطوم . إن لمصر شواغل وتخوفات حقيقية من تأثيرات السد علي المدي القريب والبعيد . خصوصا فيما يتعلق بحصة المياه وتدفقها ومرحلة ملء الخزان وتعطيل توربينات السد العالي وما يقال عن خطط لسدود أخري. وتقتضي علاقات الصداقة وحسن الجوار أن تتم مناقشة هذه الشواغل علنا وبشفافية كاملة والعمل علي تفاديها في إطار المصالح المشتركة وقاعدة لا ضرر ولا ضرار.