نعيب علي أمريكا تدخلها في الشأن الداخلي للدول بشكل سافر ومستفز وأحياناً وقح.. والعيب فينا.. فهي لا تتدخل إلا بقدر ما نسمح به لها. أمريكا ليست مخطئة.. لكننا نحن المخطئون في حق أنفسنا. والمتتبع للسياسة الأمريكية في المنطقة. بل وفي العالم كله يجد أنها سياسة واضحة لا غموض فيها. ولا لف ولا دوران. سواء كانت الإدارة ديمقراطية أو جمهورية. هي تعتبر نفسها الزعيم الأوحد للعالم. وتعتقد أنها تحيي وتميت حاشا لله وتقيم الدول وتقعدها. بل وتنسفها نسفاً إذا أرادت.. ومعها حق.. "قالوا: يا فرعون إيه فرعنك؟!.. قال: ما لقيتش حد يلمني".. وما دام لا أحد لديه القدرة علي "لم" هذا الفرعون. فمن حقه أن يتفرعن. ويتجبر ويعيث في الأرض فساداً وإفساداً حتي يأتي الله أمراً كان مفعولاً. وفيما عدا إسرائيل.. فليس لدي أمريكا غالي أو حبيب. أو مقرب أو ختي تحت الحماية إلي ما لا نهاية. حتي لو كان موالياً لها إلي حد خلع الملابس الداخلية. أو عميلاً لها علي حساب بلده وشعبه.. فمن يخرج عن "الخط" أو يحاول أن يتعملق أو ينطح بلا عقل. أو يكون دوره انتهي فإن لديها استعداداً لنسفه أو تقديمه وجبة هنية لمن سيكون عميلاً أو موالياً لها من بعده. أو لمن لا يناطحها ويتعملق عليها في المستقبل.. وهكذا. مشكلتنا أننا ننسي.. لكن لو قلبنا صفحات سنوات ليست بالبعيدة حتي أمس فقط. فسنجد هذه السياسة واضحة وصريحة ولا تحتاج إلي مجهود لفهمها. وعلي سبيل المثال لا الحصر.. لأن النماذج كثيرة.. ماذا فعلت أمريكا بأكثر حلفائها إخلاصاً وولاءً لها.. شاه إيران الراحل محمد رضا بهلوي؟!!.. تخلت عنه في لحظة أمام الزحف الثوري. ووجد الرجل نفسه بلا مأوي في العالم كله.. لكن لأن مصر لا تنسي أفضال الرجال. فقد فتحت له أبوابها وآوته. ومات ودفن بها. وماذا فعلت بعميليها صدام حسين ومعمر القذافي؟!.. الأول قالت له "بسِّك" علي الكويت ونحن معك.. وعندما وقع في المحظور وفق الخطة الأمريكية المرسومة. قادت العالم لضربه في حرب شرعية. وكان لابد من ضربه.. ثم احتلت العراق بقرار منفرد غير شرعي وغير مبرر. بل بكدبة بلدي. وسلمت صدام إلي عشماوي بيديها لتنفيذ الحكم الذي أصدرته هي ضده.. الإعدام. والثاني كانت بينهما مناوشات هي في الواقع "ضحك علي الذقون".. لكن عندما وجدت أنه أصبح عبئاً عليها وورقة محروقة. وأن الربيع العربي يصر علي التخلص منه.. استخدمت الناتو لنسفه.. وقتله. والتمثيل بجثته!! لم يكن التخلص من صدام والقذافي بالقتل سببه أنها تكرههما. أو أنهما عدوان لها.. بل لتدفن معهما أسرارهما التي تورطها أمام العالم كله. والآن.. أمامها خصم عنيد.. ينطح بلا عقل. ويسعي لامتلاك السلاح النووي. هو إيران. واتساقاً مع أحد بنود سياستها وهو أن تجعل الغير يحارب لها حربها إن أمكن. لم تجد سوي أن تخلق صداماً بين إيران والسعودية علي طريق اتهام طهران بمحاولة اغتيال السفير السعودي بواشنطن. هذا الاتهام الذي هو صناعة أمريكية خالصة. من الطبيعي أن تكون له توابع.. فالسعودية طالبت بمعاقبة إيران. وطهران بدورها سفَّهت من الطلب السعودي. ومن عدم قدرة الرياض علي أن تعاقب.. بل وتمطعت وقالت إن في وسعها متي عزمت أن تسلب الأمن من النظام السعودي. وأن القوات العسكرية الإيرانية قادرة في حال عزمت علي اتخاذ أي خطوة ضد السعودية علي احتلال أراضي المملكة بكل سهولة!! هذا هو المراد الذي تسعي أمريكا لأن ينفذ فعلاً علي الأرض.. أن تغير إيران علي السعودية وتحتلها لتغوص المنطقة في المستنقع القذر علي النحو التالي: * بالطبع.. لن ترضي الدول العربية والإسلامية أبداً باحتلال السعودية بالذات.. فيتم إعلان الحرب بينها وبين إيران بما يتيح لطهران احتلال باقي دول الخليج "في السكة". * تدخل أمريكا طرفاً في الحرب عندما تصل الجيوش الإيرانية إلي قطر المحتلة أصلاً بالقوات الأمريكية.. وتكون فرصة. * إذا لم يحدث هذا الصدام الأمريكي الإيراني. أو حتي حدث.. يتم بالتوازي تنفيذ سيناريو العراق من جديد.. بإصدار قرار من مجلس الأمن وفق البند السابع باتخاذ كافة التدابير ضد إيران بما يعني الحرب. * وكنتيجة لهذه الحرب غير المتكافئة.. تخرج إيران من السعودية ودول الخليج.. بل وتسقط إيران نفسها.. ويتم تغيير كل الأنظمة الموجودة.. وتبقي الجيوش الأمريكية بقيادة أمريكا رابضة علي الأرض لحماية هذه الدول التي تتحول إلي مستعمرات أو محميات. ويتم تقسيم "التورتة".. البترول بين أمريكا وحلفائها الصوريين. يجب علي إيران أن تهدأ ولا تترك قدميها تنزلقان نحو "الفخ الأمريكي" المنصوب فعلاً لها وللمنطقة للاستفادة من ثرواتها وللتعمية علي المشاكل الكثيرة التي تعاني منها الإدارة الأمريكية. المفروض أن تُفَوِّت إيران الفرصة علي أمريكا حتي لو تم إقرار عقوبات أخري ضدها.. فما الجديد؟!.. إن العقوبات تلاحقها من ثورة الخوميني حتي اليوم.. ولن يضيرها شيء إذا زادت عقوبة أو عقوبتين. المهم.. والمهم جداً ألا تُعطي أمريكا الفرصة الذهبية لتدمير واحتلال كل دول الخليج العربي. كفاية جداً أنها تقبض علي العراق وأكثر من ثلثي قطر وبترولهما. يا طهران.. السعودية خط أحمر ناري.. احذري من الفخ والمستنقع القذر.