سعدت جداً بالقرار الذي أصدره المهندس عاطف عبدالحميد محافظ القاهرة برفع اسم السلطان سليم الأول علي الشارع المسمي باسمه في حي الزيتون. وسر سعادتي أن هذا السلطان أذاق الشعب المصري عذاباً ما بعده عذاب.. ليس هذا فقط فأنه لم يستطع فتح مصر إلا بعد أن تسلح بسلاح الخيانة من تابعه الأول المسمي بخاير بك والذي كان هو الآخر رمزاً لسفك الدماء.. والناصح بقتل طومانباي.. هذا الرجل الذي استمات للدفاع عن مصر وعن استقلال مصر.. والذي قاتل بشراسة وشجاعة منقطعة النظير.. وكاد يقضي عليه لولا الخيانة التي لعبت الدور الرئيسي في استتباب الأمر لسليم الأول. والحقيقة أنني تعجبت كثيراً كيف رضي المسئولون المصريون أن يطلقوا اسم سليم الأول الذي غزا مصر واحتلها وقتل أهلها وأعدم واليها علي طريق رئيسي بحي كان له "شنة ورنة" في الماضي وبجواره أطلق اسم طومانباي علي شارع آخر بنفس الحي.. وشتان بين الاثنين بين الأجنبي الغازي وبين الوطني المدافع. بصراحة أقول إن الحكم العثماني لمصر كان من أسوأ العهود التي مرت من كافة الوجوه.. صحيح أن السلطان سليم حاول تنظيم الجهاز الإداري للدولة.. بحيث يكفل دوام تبعيتها للعثمانيين وضمان عدم خروج ولايتها عن الطاعة. وعندما قرر الخروج من مصر عائداً إلي بلاده أو إلي إحدي غزواته.. أصدر أوامره بترحيل أعداد كبيرة من الوطنيين المصريين من الأعيان.. ما بين قضاة ونواب قضاة وكبار رجال الدين مسلمين ويهود ومسيحيين بالإضافة إلي التجار وغيرهم من المهنيين ليقيموا في اسطنبول إقامة كاملة ودائمة ولا يستطيعون العودة وبذلك تحولوا بقدرة قادر إلي رهائن في الدولة العثمانية. وقرر كذلك ترحيل عدد كبير من أرباب الحرف والصناع والمهندسين والبنائين والنجارين وغيرهم من أرباب الحرف.. وقد ادعي المقربون من السلطان أن سبب اتخاذ هذه القرارات يعود إلي رغبته في إنشاء مدرسة فنية في اسطنبول علي غرار مدرسة الغوري. وأياً كان الغرض.. فإن سوء النية كان متوافراً لدي السلطان لأن الناس احتاروا في إيجاد من يحتاجون من هذه المهن والحرف وسجل المؤرخون أن مصر أصيبت بتعطل 50% من مختلف أنواع الصناعات والمهن لغياب من رحَّلهم سليم الأول إلي تركيا. ولكي يستمر سليم الأول في تعنته مع المصريين قرر تولية خاير بك الذي كوفيء نظير خيانته بمنحه لقب باشا وتنصيبه والياً علي مصر.. ليصبح ساعده الأول والذي أعانه علي فتح مصر بخيانته وأمر السلطان سليم بإبطال النقود القديمة وضرب نقوداً جديدة أقل في قيمتها من النقود القديمة وحقق خسائر للناس باهظة.. بلغت ثلث أموالهم. كانت الخيانة هي الطابع الأساسي لسليم الأول.. وكان أعوانه في معظمهم خونة ويروي أن طومانباي بعد معارك دامية مع سليم كاد يقتله أكثر من مرة. لجأ إلي دار صديق له يسمي الشيخ حسن بن مرعي.. وطبعاً طلب منه أن يقيم معه بضعة أيام ليستريح من عناء القتال ولكي يتم إعادة ترتيب قواته. ورحب به الشيخ حسن وكان زعيم قبائل البحيرة.. وعاهده علي الوفاء ومنحه الأمان.. ولكن الخيانة لعبت في نفسه وأوشي إلي سليم الأول بخبر وجود طومانباي لديه وأسرع بإرسال عدد كبير من الجنود حيث ألقوا القبض عليه وتم إعدامه. وتشير كتب التاريخ إلي أن سليم الأول عند خروجه من مصر كان قد استولي علي كل أو معظم كنوزها فقد حمَّل نحو ألف جمل بحمولات ضخمة من الذهب والفضة والأسلحة والنحاس.. بل إن الأمر وصل به إلي إصدار تعليماته باقتلاع الأعمدة الرخامية والزخارف والنقوش وكل ما له قيمة فنية في القصور ودور الأثرياء المهم أن ولي مصر خاير باشا بعد وفاته قيل عنه إنه فوق خيانته فقد كان جباراً عنيداً سفاكاً للدماء فقد قتل في مدة ولايته عدد كبير من أبناء مصر بشتي الأشكال فلم يكن أمامه شئ يفعله لأتفه الأسباب إلا القتل ويُقال إنه قتل بعض من سرق "الخيار" من بستانه.. وبعد وفاته تبين أنه ترك ثروة عبارة عن 600 ألف دينار ذهب بخلاف ما كان في بيت المال بالإضافة إلي أعداد هائلة من الخيول والبغال والحمير. وقد شيعه الناس إلي مقبرته باللعنات بدلاً من الترحُّم عليه. هذه حكاية السلطان سليم الأول الذي أتي مصر غازياً واستقبله قنصوه الغوري مدافعاً. ولكن الخيانة أدت إلي وصول سليم الأول إلي حكم مصر وصلها علي جثث وأشلاء المصريين.. وعين لهم من سامهم العذاب وسرق عيشهم.. ثم بعد ذلك كانت المكافأة التي منحها له حكام مصر السابقون هو إطلاق اسمه علي شارع من شوارع مصر المهمة والحقيقة إنني أنادي بضرورة فحص أسماء الشوارع في مصر كلها وليس في القاهرة فقط ورفع أسماء الأجانب الذين أساءوا إلينا والإبقاء فقط علي من أدوا خدمات جليلة لمصر وأبناء مصر. تركيا الآن ترعي لوناً آخر من ألوان الخيانة لكي تصل إلي مآربها.. والحقيقة تقول: إن العالم الآن غير زمان وما كان يصلح في الماضي لا ينفع في الحاضر.. ليتهم يفهمون ذلك الآن.