لاشك أن علاقات مصر بالقارة الافريقية بدأت تستعيد عافيتها. بعد ان مرت بحالة من التراجع والوهن علي مدي أكثر من 20 عاماً. ولا جدال أن تراجع هذه العلاقات كان له ثمن باهظ. دفعته مصر كدولة رائدة. كان لها مكانتها القيادية بين دول القارة. التي طالما وثقت في مصر وفي مواقفها دفاعاً عن مصالح الشعوب الافريقية في المحافل الدولية. وإسهاماً في تحقيق نهضة هذه الدول علي المستوي الوطني. ولا يخفي علي أحد ان حالة الجفاء بين مصر وشقيقاتها الافريقيات أسفرت عن جوانب سلبية كثيرة. وفي مقدمتها إخلاء الساحة أمام القوي العالمية والاقليمية لكي تتغلغل وتوسع نفوذها في "قارة المستقبل". حسبما يسميها خبراء الاقتصاد والاستثمار والموارد الطبيعية. وتشهد الساحة الافريقية صراعاً محموماً بين أمريكا وروسيا والصين وأوروبا علي "قارة المستقبل" للفوز بأكبر قدر من العقود والصفقات. سواء في مشاريع البنية التحتية التي تفتقر إليها معظم دول القارة. أو في مجالات استخراج البترول والغاز والثروات المعدنية بمختلف أنواعها. ولم تفوت إسرائيل. والقوي الاقليمية الأخري. فرصة لكسب موطئ قدم في القارة الافريقية. وبادرت هذه القوي بالدخول في مشاريع مشتركة مع الدول الافريقية في مختلف المجالات. وربما كان مشروع سد النهضة والدول والشركات المشاركة في إقامته من بين المشاريع. التي تفوق الحصر في افريقيا. ولولا حالة الجفاء السابق ذكرها فربما كانت مصر شريكاً في إقامة السد ولكان كل شيء يتم تحت سمعنا وأبصارنا. بلا أية حساسيات ولا شكوك. ومن دون جدال. فقد بدأت مصر تعود إلي أفريقيا وبدأت أفريقيا تعود إلي مصر. وقد أخذت التحركات المصرية الواعية في السنوات الأخيرة تؤتي ثمارها. وبدأنا نشهد نشاطاً دبلوماسياً واسعاً لمصر علي الساحة الافريقية. وخصوصاً في دول أعالي النيل ومنطقة القرن الأفريقي. ونحن نلمس الجوانب الايجابية لما تحقق خلال زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي لأثيوبيا وحضوره قمة الاتحاد الافريقي التي تم اختيار مصر فيها لرئاسة الاتحاد في الدورة المقبلة بإجماع القادة الأفارقة. وقيام الرئيس بعقد قمة ثلاثية مع رئيس السودان ورئيس الوزراء الأثيوبي حول سد النهضة. ولعل خروج الرؤساء الثلاثة متعانقي الأيدي وتصريحات السيسي للصحفيين عقب القمة الثلاثية تعكس نقاء الأجواء التي عقدت فيها القمة. حيث تمكنت مصر من إخراس الألسنة التي تسعي لإشعال فتيل الفتنة بين مصر والسودان وأثيوبيا. لا لشيء سوي الخوف من توافق الدول الثلاث. لأن هذا التوافق لا يصب في صالح القوي الاقليمية والدولية التي تستفيد من نشوب الصراعات وتتكسب من ورائها ولا يريحها أي تقارب بين أبناء حوض النيل. إن السياسة ا لخارجية المصرية في الفترة الحالية تعمل وفق حسابات دقيقة وتتحرك بخطوات مدروسة جيداً. علي كافة المستويات وفي كل الاتجاهات. وربما كانت تصريحات سفيرنا في أثيوبيا. أبوبكر حنفي. تجسد هذا التوجه. حيث قال ان علاقات مصر وأثيوبيا لها أبعاد كثيرة. منها الاستراتيجي. ومتوسط المدي وقصير المدي. وأن ربط مصالح مصر والسودان وأثيوبيا معاً هو مسألة حتمية كما قال الرئيس. حيث يجب ان تكون الدول الثلاث كتلة اقتصادية واحدة. تربطها مصالح ثابتة. ليصبح الانفصال بينها مستحيلاً. والسؤال الجوهري هنا: إذا لم تكن مصر وأثيوبيا والسودان كتلة واحدة. فأي الدول يمكن ان تكون كتلة واحدة؟ لقد حبا الله الدول الثلاث بامتداد جغرافي واحد. وربط بينها برباط أبدي ممثلاً في نهر النيل. ومنحها الثروات المادية والبشرية والموارد الطبيعية التي تجعل منها كتلة لها وزنها علي مسرح السياسة الدولية. ولتكون نموذجاً يحتذي في أفريقيا. قارة المستقبل.