فرق شاسع بين 25 يناير 1952 وبين 25 يناير 2011.. الشبه الوحيد أن الحدثين سيظلان محفورين في تاريخ مصر.. الحدث الأول جرت فصوله في محافظة الإسماعيلية إلا أن أصداء تلك المعركة هزت أرجاء الدولة المصرية وكانت أحد أسباب قيام ثورة 23 يوليو التي اندلعت بعد تلك المعركة بستة أشهر فقط.. ملحمة بطولية قادها البوليس المصري وهو الاسم الشائع الذي كان يطلق علي رجال الشرطة وقتئذ ضد قوات الاحتلال الإنجليزي في معركة غير متكافئة بالمرة كما رواها لي أحد أبطال تلك المعركة في حديث صحفي أجريته معه في نهاية سبعينيات القرن الماضي.. إنه البطل الراحل اللواء فؤاد الدالي الذي كان يشغل منصب مدير أمن الفيوم وقت إجراء هذا الحديث. ذهبت إلي الفيوم بصحبة أحد الزملاء المصورين وأجريت حديثاً مع هذا البطل نشر في "المساء" بمناسبة ذكري عيد الشرطة تحت عنوان "الرصاصة لا تزال في رأسي" حيث كانت للواء فؤاد الدالي قصة شهيرة في تلك المعركة عندما أصيب هذا الضابط الشاب الذي كان برتبة "ملازم" ب "شظية" استقرت في قاع الجمجمة وعجز كبار الجراحين في العالم الذين شاركوا في عمليات جراحية لمصابي الحرب العالمية الثانية في استخراجها واجمعوا أن تلك العملية ستشكل خطراً علي حياته وإذا نجحت ستفقده حاسة من حواسه الخمس واستقر رأيهم علي بقاء تلك "الشظية" في رأس البطل الشاب لم تفارقه حتي وفاه الأجل المحتوم لتبقي بمثابة "نيشان" بطولة حتي آخر العمر. المعركة مع الإنجليز كما رواها البطل الراحل فؤاد الدالي كانت غير متكافئة بالمرة من حيث العدد والعتاد فعدد قوات البوليس المصري 800 ضابط وجندي يتسلحون ببنادق بدائية وليس لديهم ما يكفي من الذخيرة بينما يبلغ عدد قوات الاحتلال سبعة آلاف يتسلحون بالدبابات ومدافع الميدان ورغم ذلك استمرت المعركة حتي آخر رصاصة في أيدي البوليس المصري حيث اطلق "اليوزباشي" مصطفي رفعت جملته الشهيرة "لن نستسلم حتي الموت" وذلك رداً علي نداء القائد الإنجليزي بالاستسلام وإخلاء مبني محافظة الإسماعيلية لقوات الاحتلال ليسقط في تلك المعركة 56 شهيداً و80 مصاباً من رجال البوليس المصري بينما كانت خسائر القوات البريطانية 18 قتيلاً و12 جريحاً. أهم ما يميز معركة الإسماعيلية التي صارت ذكراها عيداً للشرطة المصرية أنها كانت معركة شعبية شهدت تلاحم الشعب مع الشرطة في ملحمة بطولية تجعل الفارق بينها وبين أحداث 25 يناير 2011 كالفرق بين السماء والأرض.. فالأولي جرت أحداثها بسبب وقوف رجال البوليس المصري مع الفدائيين الذين يقاومون الاحتلال بينما الثانية كانت انتفاضة شعبية تم التخطيط لها بعناية بمساعدة أطراف خارجية وساهم النظام بكل أسف في إشعالها واستغلها تجار الدين والسياسة وقفز عليها البلطجية والمجرمون فتم حرق أقسام الشرطة واقتحام السجون وسقطت مصر في الفوضي والعنف.. إنها مجرد شهادة للتاريخ!.