يواصل د.رضا صالح السير في درب من سبقه من الأطباء الأدباء أو الأدباء الأطباء.. يسبر أغوار المهنة الإنسانية جداً بكل مواقفها وشخوصها وظروفها الشعورية الخاصة التي تعكس مشهداً بانورامياً للإنسان المصري عبر مجموعته الجديدة التي صدرت موخراً عن الهيئة العامة للكتاب بعنوان جذاب كما يري مؤلف العمل وهو "مطلوب آنسة".. يرصد من خلالها ما حدث من تغير في العلاقات التعارفية في المجتمع وذلك عبر عدسة بؤرتها "الراوي العليم" وهي عدسة تشرح الأسباب والعلاقات والنتائج لما حدث في المجتمع من تغير في السنوات الأخيرة. البؤرة في نظرنا هي الطبيب "الراوي العليم" الغائب الحاضر والبطل الحقيقي بجانب الشخصيات ذات المزية الإنسانية العالية للغاية. مثل "مهجة" الفتاة التي يصيبها المرض الخبيث في أعز ما تملك أنثي "ثدييها" لكنها تظل بالأمل تنحو نحو العلاج. ولعل القاص رمز بها إلي الطون المصاب الذي لم يفقد الأمل بعد فالإسقاط علي البناء العام للمجتمع والوطن واضح ولا يخفي دلالة الاسم والمغزي العام له "المهجة" هي القلب.. "ترفض أن يكون أحد ثدييها مشوهاً هذا حقها.. وواجبها أيضاً أن تخاف وأن يدفعها الخوف إلي البحث عن علاج. وهذا أيضاً شعور مطلوب الإنسان وحدة واحدة لن تسعد المرأة إلا بتساوي النهدين الأيمن والأيسر" قصة "مبروك يا مهجة". ثم يواصل الكاتب ويصرح بغرضه "نعم كلنا سنسعد باعتدال الدفة هل افتقدنا السيميترية وصرنا كالجسد المشوه؟ مجرد أشلاء متجاورة تحتاج إلي جراح ماهر".. قصة مبروك يا مهجة. الجراح الحاضر هنا هو الطبيب بشخصيته كمعالج لجراح وآلام البشر. هو الطبيب التي تدور المجموعة حول شخصيات إنسانية يقابلها من خلال مهنته التي تولاها منذ أقسم قسم أبقراط.. علي أن يداوي ويشفي ويحترم جراح الإنسان والوطن علي السواء. والراوي في قصص المجموعة هو الراوي العليم الذي ينعكس بشكل ما علي الطبيب رضا صالح والأبطال هم إما مرضاه أو أصدقاؤه أو في محيط المتعاملين معه مثل الممرضة في قصة "وضحكت عليك!" أو المريض الذي يبوح بأسراره مثل قصة "خردة" أو الصديق المضرب عن الزواج والذي يظن أن الوقت في صالحه حتي وإن تجاوز الخمسين مثل قصة "علي راحته" أو الأستاذة جنات ونظام الروتين من الموظفين المختلفين حتي المدير العام الذي يتعارك معه الطبيب قصة "جهنم جنات" أو ما يحكيه صديقه الطبيب الذي رفض أن يكمل علاج أحد أقاربه للمصاريف المبالغ فيها قصة "وفر كلامك" أو المساجين في قسم الشرطة والضابط المتعجرف الذي يطلب الكشف عليها قصة "سد خانة". وغيرها من الشخصيات التي يتضح من خلالها أن بيئة الكاتب ومكان معيشته "السويس" ملحوظة بشكل في قصص المجموعة. والكاتب يمارس فعل الكتابة وكأنه راوي محايد ومدافع عن شخصيته إلا أنه في الواقع يدين من طرف خفي كل شيء. ومن ذلك قصة "علي راحته". بل إن الراوي العليم الذي يدعي الحياد يغوص في القصة حتي يصبح أحد شخوصها. والراوي العليم يشرك معه القاريء. ويجعله أحد المشاركين في تكوين رأيه عندما يقول في قصة "المنقبة": "ولا يحمل بيت سوي سيدة وبنات منقبات ألا ترون أن هذه النظرة يها نوع من الافتراء علي الرجال ونظرة دونية لهم". ومن الملاحظ في قصص المجموعة الغوص في التفاصيل الطبية حتي في أسماء الأدوية والأمراض. يبدو الكاتب في ذلك مشابهاً لنظيرته. يوسف إدريس ومصطفي محمود. ومن أمثلة أسماء الأدوية والعلاج ما كتبه المؤلف في قصة "خردة". كشفت عليه وكتبت له علاجاً وقلت له: مرهم وبرشام مرتين في اليوم واستابينا استابينا ريه برشام ولا حقن. تبسمت: برشام بس والحقيقة أن الخطأ في سلوك الشخصيات جميعاً في المجموعة والمرض عرض ثانوي. أما عن النهاية فهي في كثير من الأحيان نهاية للموقف الذي يبدو كوميديا في بعض القصص ويبرز فيه نبرة السخرية من جانب الكاتب بين ما هو كائن وما يجب أن يكون مثل قصة "خردة" وقصة "وانت فاكرني" وغيرها من القصص. رضا صالح من خلال المجموعة الجديدة يواصل دأبه في الكتابة عن عالم الأطباء المليء برهافة وحساسية عالية بعد روايته "حكايات البالطو الأبيض" وروايته "يا من كنت طبيبي".. ونحسب أنه قد أحسن صنعاً ونتمني ألا يحرمنا من التطلع إلي هذا العالم ذي البعد الإنساني العالي في أعماله القادمة.