أيام.. ويحل شهر يناير في العام الجديد وهو الشهر الذي قام فيه الزعيم الراحل جمال عبدالناصر بوضع حجر الأساس للسد العالي عام 1960 كما احتفلت مصر فيه أيضا بتنفيذ المشروع عام 1971. وما دعاني لذكر هذين التاريخين هو قيام الرئيس عبدالفتاح السيسي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ أيام بتوقيع عقد انشاء مشروع الضبعة النووي. ونحن نعلم التحديات الجسام التي واجهت مصر للحاق بالعصر النووي ويدرك جيلنا كم وقفت القوي الغربية بالتحديد ضد اقدامنا علي المضي في المشروع النووي وكم بذلت إسرائيل من جهود ودبرت من مؤامرات للحيلولة دون البدء في تنفيذه ونعلم كذلك كيف كانت المخابرات الصهيونية ترسل الطرود الناسفة للعلماء الألمان الذين استقدمهم عبدالناصر للمساعدة في التنفيذ. ويدرك جيلنا أيضا ان الموساد كان وراء مقتل علماء الذرة المصريين ومن بينهم الدكتور يحيي المشد والدكتورة سميرة موسي والدكتور سمير نجيب وكذلك عالم الصواريخ المصري سعيد السيد بدير وكان الهدف بالطبع هو حرمان مصر من أية فرصة لتحقيق التقدم واللحاق بركب العلم. كذلك واجه مشروع السد العالي صعوبات وتحديات جمة وامتنع صندوق النقد والبنك الدوليان عن تمويل المشروع ووضع الغرب شروطا مجحفة أمام مصر وكان من أهم هذه الشروط عدم قيام مصر بابرام اية اتفاقات مالية أو الحصول علي قروض أخري دون موافقة البنك الدولي كما اشترط البنك ان يكون له حق مراجعة الميزانية المصرية واشترط امتناع الحكومة عن القيام بتنفيذ اية مشروعات تنموية اخري غير السد العالي وهنا اعلن الرئيس جمال عبدالناصر رفضه القرض وساعتها ردت امريكا بالانسحاب من مساعدة مصر معللة ذلك بأن الاقتصاد المصري لا يمكنه تحمل اعباء اقامة السد كما انسحب البنك الدولي وبريطانيا من المشروع. أمام هذه التحديات والعقبات الكبري التي وضعها الغرب لمنع تنفيذ المشروع قام عبدالناصر بتأميم قناة السويس ولجأت مصر إلي الاتحاد السوفيتي بقيادة روسيا التي أثبتت انها صديق يعتد به ويمكن الاعتماد عليه. زودتنا بالخبرات اللازمة لاقامة السد وقمت لنا قرضين لتمويله أحدهما بقيمة 400 مليون روبل في المرحلة الأولي والقرض الثاني بقيمة 500 مليون روبل لتنفيذ المرحلة الثانية واصبح السد أهم المشاريع الانشائية في العالم علي مدي القرن العشرين بأكمله وكان بمثابة المنقذ من كوارث الجفاف والفيضانات العالية ووفر لمصر المياه اللازمة للتوسع الزراعي والطاقة الكهربائية المطلوبة للانارة والمضي في طريق التقدم الصناعي. وها هي القصة تتكرر مع المشروع النووي فبعد الحرب التي شنها الموساد بمعاونة المخابرات المركزية الأمريكية ضد العلماء الألمان واغتيال العلماء المصريين عملت القوي الغربية بالتعاون مع إسرائيل علي منع دخول مصر عصر الطاقة النووية مثلما يفعلون مع كل الدول التي تريد أن تشق طريقها نحو التقدم. ومنذ أواخر الخمسينيات أخذ مشروع اقامة مفاعلات ذرية مصرية يتأجل من سنة لأخري ومن عقد لآخر ومن رئيس إلي رئيس بضغوط من القوي الغربية حتي جاء الوقت الذي لم نجد فيه سوي الروس ليقوموا بتنفيذ المشروع الحلم. ها هي روسيا تقدم لمصر قرضا بقيمة 25 مليار دولار لاقامة محطة الضبعة النووية ليعود ذلك علي خزانة مصر بأرباح تزيد علي 264 مليار دولار حسبما يقول الخبراء. وها هي روسيا تعود من جديد لكي تسهم في انجاز المشاريع القومية الكبري في مصر. ومثلما سجل التاريخ لعبدالناصر وخروتشوف انجازهما العظيم المتمثل في بناء السد العالي كأعظم المشاريع الانشائية في العالم خلال القرن العشرين بأكمله سيسجل التاريخ ايضا للسيسي وبوتين انجاز مشروع الضبعة النووي كواحد من اكثر المشاريع التي مثلت تحديا لمصر علي مدي أكثر من 60 عاما. ليتنا نتعلم من دروس التاريخ وندرك الفارق بين من ينهبون أموالنا في المشاريع "الهايفة" المتمثلة في أكياس الفيشار والبطاطس المقلية وبين من يشاركوننا في اقامة المشاريع الاستراتيجية الكبري!