كالمعتاد.. عندما يتولي وزير جديد مهمة وزارة التربية والتعليم فإنه يصدر قرارات الهدف منها تطوير التعليم. ولكن الواقع أثبت أن هذه القرارات عادة لا تستمر ولكنها تتعرض للذبذبة بين الالغاء والتغيير.. وتصبح مجرد تجارب تجري علي التلاميذ وتكون البداية في مرحلة رياض الأطفال..پولننظر لسنوات مضت حيث أصدر أحد الوزراء قراراً بأن يكون سن الالتحاق في السنة الأولي لرياض الأطفال خمس سنوات ثم صدر قرار آخر ربما من نفس الوزير أو من وزير آخر بإن يكون سن القبول هي ست سنوات أي أن البعض يلتحق في سن الخامسة والبعض تقبله رياض الأطفال في سن السادسة.. ثم يأتي وزير آخر ويجعل المرحلة الابتدائية ست سنوات.. ويتبعه بأن ويجعلها خمس سنوات ثم يقرر وزير آخر الغاء الشهادة الابتدائية اكتفاء بأن تصبح سنة دراسية عادية للنقل للمرحلة الاعدادية باعتبار أن الابتدائي والاعدادي هما مرحلة واحدة تسمي "التعليم الأساسي".. وهي مرحلة إلزامية.. وهكذا كانت السنوات الأولي لتعليم الأطفال هي مجرد تجارب قد تنجح وقد تفشل ولكن في جميع الأحوال فإن التلاميذ يخرجون من هذه المرحلة ومستواهم التعليمي يكاد يتساوي مع الصفر أو أكثر قليلاً ولهذا عندما أصدر الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم قراراً بالغاء الشهادة الابتدائية واعتبار الصف السادس سنة نقل عادية.. نظر الناس إلي هذا القرار علي أساس انه سبق تكراره في عهود سابقة كتجربة من التجارب في التعليم.. وإن كنت أري أن الدكتور طارق.. جاد تماماً في تطوير التعليم بمراحله المختلفة خصوصاً وانه في سبيله لتعديل المرحلة الثانوية حتي يتوقف الجري وراء الحصول علي أعلي الدرجات لدخول الجامعة.. وقد ذكر الوزير في هذا الخصوص انه سيجري تنظيم الدروس الخصوصية في اطار تشريعي من الوزارة بحيث لا يكون الهدف من الدرس الخصوصي الحصول علي الدرجات المرتفعة لأنه لن يكون هناك مجال للنجاح بالمجموع. وفي رأيي الخاص فإن التعليم في مصر لم يكن بدرجة عالية من السوء لسبب بسيط جداً هو أن هذا المستوي التعليمي سواء قبل ثورة 23 يوليو أو اثناءها وما بعدها انتج عظماء وعلماء عباقرة وأصحاب مناصب رفيعة في كبري مؤسسات العالم وفي المعاهد التعليمية العالمية.. وفي هذا المجال من الممكن أن نملأ صحفاً بأكملها بأسماء هؤلاء الذين أثروا الحياة البشرية بعلمهم وثقافتهم ولهم علامات بارزة في العلم والسياسة والاقتصاد والثقافة والحياة الاجتماعية بصفة عامة في أنحاء الدنيا.. وكلهم تلقوا تعليمهم في المدارس المصرية.. وكذلك في الجامعات المصرية.. ومن معاهدنا المصرية سواء الثانوية أو الجامعية وقد تعلم فيها أيضاً كثيرون من أبناء الدول العربية والإسلامية.. وأصبح لهم شأناً عظيماً في بلادهم. ولكن هناك بالفعل أزمة في التعليم وهذه حقيقة ويرجع سببها في رأيي إلي ما بعد ثورة 23 يوليو 1952 عندما قررت الثورة التوسع في التعليم الجامعي.. وكان ذلك علي حساب المستوي التعليمي.. فقد تم التوسع في القبول ولم يكن هناك هيئات تدريس كافية.. وطبعاً كان الاقبال كثيفاً علي بعض الكليات ومن هنا ظهر مبدأ تكافؤ الفرص وتم انشاء مكتب التنسيق في عام 1954 الذي جعل مقياس القبول هو مجموع الدرجات وجعل هناك كليات قمة.. الكل يتهافت علي الالتحاق بها.. وبالتالي ظهرت مراكز الدروس الخصوصية ونشط المدرسون في تنظيم دروس خاصة للتلاميذ خارج المدارس بهدف زيادة المجموع الذي يؤهلهم لدخول الكليات التي يرغبونها وعلي ذلك انخفض مستوي التدريس في مراحل التعليم المختلفة في المدارس.. لأن المدرسين مشغولون في الدروس الخصوصية. واهملوا التدريس في المدرسة. وعندما توسعت الدولة في انشاء المدارس لم تساير الامكانيات في هذا التوسع وأصبحت الفصول مكتظة بالطلاب.. ولاهم للوزارة والمدرسة وأولياء الأمور إلا نجاح الطلاب والانتقال إلي السنة التالية بصرف النظر عن مستوي جودة التعليم.. وعندما فكرت الحكومة في تطوير المناهج التعليمية لتساير العصر الحديث..پكان هناك نقص شديد في المدرسين المدربين علي تدريس المواد المطورة ومن الطريف انه عندما تقرر اضافة مادة الكمبيوتر في المدارس.. وتم تزويدها بالأجهزة.. كانت المفاجأة أن الأجهزة هذه تم تخزينها في المخازن ولم يتم تدريب التلاميذ عليها.. وفي أحيان كثيرة كان يتم تدريس المواد لمجرد الحشو لا أكثر ولا أقل.. وفي أحيان أخري تضمنت بعض المواد معلومات خاطئة لا يتم اكتشافها إلا اثناء الدراسة. المهم.. اعتقد أن الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم لديه خطط فعلية جادة لتطوير منظومة التعليم.. والتي نحتاجها بالفعل.. والقرارات التي أعلنها الوزير مؤخراً تؤكد هذا الاتجاه. ولي أن اتساءل.. هل النظام الجديد للتعليم الثانوي سيحقق تطويراً بالفعل لهذه الشهادة خصوصاً وأن نظام المجموع التراكمي لسنوات التعليم الثانوي الثلاث.. من الممكن أن يؤدي إلي زيادة الدروس الخصوصية وبدلاً من أن تكون هذه الدروس لسنة واحدة ستصبح لثلاث سنوات. وزمان قبل ثورة 23 يوليو كانت الدراسة تبدأ من مرحلة الحضانة ولمدة عامين ثم الالتحاق بالمدرسة الابتدائية ومدتها 4 سنوات يحصل بعدها التلميذ علي شهادة الابتدائية وكانت شهادة قوية وتعد في بعض الجهات مسوغاً للتعيين.. ثم المرحلة الثانوية ومدتها 5 سنوات. في السنة الرابعة منها يحصل الطالب علي شهادة تسمي "الثقافة" ثم التوجيهية في السنة الخامسة وهي التي تماثل شهادة الثانوية العامة وكانت شهادة لها قوة سواء في الالتحاق بأي كلية من كليات الجامعة أو العمل بها.. وكان الطلاب المتفوقون يلتحقون بالكلية التي يريدونها مجاناً أما غير المتفوقين فإنهم يدفعون المصاريف الكاملة.. وقد أردت أن أسرد هذه المعلومات القديمة. لأن معرفة الماضي هي الطريق الصحيح لبناء المستقبل.