القراءة أحد أهم مقومات الشخصية. ولذلك تهتم الشعوب المتحضرة بالقراءة وتجعل لها طقوساً ومهرجانات وجوائز أكثر من الكتابة. وفي أحدث وأهم تعريف للإنسان أنه حيوان له تاريخ. بمعني أنه يقرأ فتتراكم خبراته وتنتقل من جيل إلي جيل بالقراءة. والقراءة تعني مباشرة الكتاب والقلم. ذلك الاختراع الخطير الذي جعل الإنسان إنساناً. يقول الكتاب المقدس: "في البدء كانت الكلمة" وفي القرآن الكريم كانت "اقرأ" هي أول ما نزل من الوحي. لذلك يتحدث العالم المتحضر كثيراً عن القراءة والقلم والكتاب والعلم والأدب. رغم سيطرة وسائل الإعلام ووسائل التواصل الرقمي علي كثير من مناحي الحياة. فالشعوب الحية تعرف قيمة الكتاب وتخصص له مكاناً مهماً في البيت. كما تخصص وقتاً كافياً للقراءة. ومن الطبيعي أن تري في وسائل المواصلات والحدائق العامة وعلي الشواطيء رجالاً ونساء وشباباً وشابات وأطفالاً يقرأون في كتب. لم تلههم السينما والمسارح والتليفزيون وشبكة الإنترنت عن الكتاب الذي له متعة خاصة ومذاق خاص. وكما يتفاخر العالم المتحضر بأول إنسان نزل علي سطح القمر. وأول من اكتشف الجاذبية الأرضية فإنه يفكر بذات القدر في أكثر الكتب التي أثرت في وجدان الشعوب وغيرت وجه العالم. ومن الطبيعي أن تختلف وجهات النظر في هذا الأمر. لكنهم في الغرب أخذوا الموضوع علي محمل الجد. وأقاموا استطلاعاً عبر شبكة الإنترنت حول أكثر الكتب تأثيراً في تغيير وجه العالم. واستقروا علي عشرين كتاباً فقط تتراوح بين كتاب ماري والستون كرافت "الدفاع عن حقوق المرأة" الصادر عام 1792 وحتي اكتشاف ستيفن كولينج للكون في كتابه "تاريخ موجز للزمن" الصادر عام .1988 وقد تم عرض القائمة الكاملة لهذه الكتب والتصويت عليها من خلال استطلاعين عبر الإنترنت. الأول لاختيار الكتاب الأكاديمي الأكثر تأثيراً عبر العصور والثاني يتعلق بالعمل الأدبي الأكثر إثارة للقاريء. وهذا الاستطلاع الأخير تتنافس فيه رواية جورج أورويل الشهيرة "1984" والأعمال الكاملة لويليام شكسبير. ومن غريب الصدف أن الكاتبين بريطانيان. أما قائمة الكتب الخاصة بالاستطلاع الأول "الكتاب الأكاديمي" فتضم علي سبيل المثال كتاب "الجمهورية" لأفلاطون. وكتاب "الأمير" لميكيافيللي. و"ثروة الأمم" لآدم سميث رائد الاقتصاد الحر في العالم. و"الاستشراق" لإدوارد سعيد. و"البيان الشيوعي" لكارل ماركس الصادر عام 1848 و"الجنس الآخر" لسيمون دي بوفوار الصادر عام 1953 عن عدم المساواة بين الجنسين. هذا نوع من البحث عن الكتب التي أثرت في تكوين عقل الجنس البشري وصنعت تاريخه. وفي 2014 أصدر أندرو تايلور كتاباً بعنوان "كتب غيرت العالم" عرض فيه مختصرات ل 50 كتاباً قال إنها أحدثت تغييراً مهماً في حياة الإنسانية. وابتدأ سلسلة هذه الكتب بالرسالات السماوية "القرآن الكريم والكتاب المقدس". وهو يري أن هذين الكتابين غيرا العالم بواقع قوة الإلهام السماوي. ثم تأتي بعد ذلك قائمة كتب الفتوح التي غيرت العالم ومنها "المباديء الرياضية" لنيوتن. و"القانون" في الطب لابن سينا. و"الدورة الدموية" لهارفي. يضاف إلي ذلك بالطبع كتب جاليليو وميركاتور صاحب أول أطلس وداروين وفرويد وأينشتاين. وتأتي في المرتبة الثالثة مجموعة الكتب التي تحمل تصوراً شاملاً لكيفية تنظيم وإدارة المجتمعات الإنسانية. ومن أهم هذه الكتب "الجمهورية" لأفلاطون و"البيان الشيوعي" لماركس. و"الكتاب الأحمر" لماوتسي تونج. و"المختارات من حكم كونفوشيوس". و"الأمير" لميكيافيللي. و"ثروة الأمم" آدم سميث. وهكذا. فإن العالم كما تري لا يبحث فقط فيما يقرأ وإنما يبحث فيما قرأه وأثر فيه وغيَّر حياته عبر القرون. من باب تعظيم الكتاب وتكريم القراءة. فهل لنا أن نسأل في يوم ما أنفسنا ماذا قرأنا وماذا نقرأ. وما هي الكتب التي أثرت فينا وغيرتنا وصنعت شخصياتنا. ولا نستسلم طوال الوقت للأفلام والمسلسلات.