القراءة أحد أهم مقومات الشعوب المتحضرة وفي أحدث وأهم تعريف للإنسان انه حيوان له تاريخ بمعني أنه يقرأ وتتراكم خبراته وتنتقل من جيل إلي جيل بالقراءة والقراءة تعني مباشرة الكتاب والقلم ذلك الاختراع الخطير الذي جعل الإنسان إنسانا لذلك من الطبيعي أن يتحدث العالم المتحضر كثيرا عن القراءة والقلم والكتاب والعلم رغم سيطرة وسائل الإعلام الجماهيري ووسائل الاتصال الرقمي علي كثير من مناحي الحياة.. الشعوب الحية تعرف قيمة الكتاب.. وتخصص له مكانا مهما في البيت.. كما تخصص وقتا كافيا للقراءة ومن الطبيعي أن تري في وسائل المواصلات والحدائق العامة وعلي الشواطئ رجالا ونساء وشبابا وشابات وأطفالا يقرأون في كتب.. لم تلههم السينما والمسارح والتليفزيون وشبكة الإنترنت عن الكتاب الذي له متعة خاصة ومذاق خاص. وكما يتفاخر العالم المتحضر بأول إنسان نزل علي سطح القمر.. وأول من اكتشف الجاذبية الأرضية.. فإنه يفكر بذات القدر في أكثر الكتب التي أثرت في وجدان الشعوب وغيرت وجه العالم. ومن الطبيعي أن تختلف وجهات النظر في هذا الأمر.. لكنهم في الغرب أخذوا الموضوع علي محمل الجد.. وأقاموا استطلاعا عبر شبكة الإنترنت.. حول أكثر الكتب تأثيرا في تغيير وجه العالم واستقروا علي عشرين كتابا فقط تتراوح بين كتاب ماري والستون كرافت "الدفاع عن حقوق المرأة" الصادر عام 1792 وحتي اكتشاف ستيفن كولينج للكون في كتابه "تاريخ موجز للزمن" الصادر عام 1988. وقد تم عرض القائمة الكاملة لهذه الكتب والتصويت عليها من خلال استطلاعين عبر الإنترنت الأول لاختيار الكتاب الأكاديمي الأكثر تأثيرا عبر العصور.. والثاني يتعلق بالعمل الأدبي الأكثر إثارة للقارئ.. وهذا الاستطلاع الأخير تتنافس فيه رواية جورج أورويل الشهيرة "1984" والأعمال الكاملة لويليام شكسبير أما قائمة الكتب الخاصة بالاستطلاع الأول فتضم علي سبيل المثال كتاب "الجمهورية" لأفلاطون.. و"الأمير" لميكيافيللي.. و"ثروة الأمم" لآدم سميث رائد الاقتصاد الحر في العالم.. و"الاستشراق" لإدوارد سعيد.. و"البيان الشيوعي" لكارل ماركس و"الجنس الآخر" لسيمون دي يوفوار الصادر عام 1953 عن عدم المساواة بين الجنسين هذا نوع من البحث عن الكتب التي أثرت في تكوين عقل الجنس البشري وصنعت تاريخه.. وفي 2014 أصدر أندرو تايلور كتابا بعنوان "كتب غيرت العالم" ..عرض فيه مختصرات ل 50 كتابا قال إنها أحدثت تغييرا مهما في حياة الإنسانية.. وابتدأ سلسلة هذه الكتب بالرسالات السماوية القرآن الكريم والكتاب المقدس وهو يري أن هذين الكتابين قد غيرا العالم بواقع قوة الإلهام السماوي. ثم تأتي بعد ذلك قائمة كتب الفتوح العلمية التي غيرت العالم ومنها: "المبادئ الرياضية" لنيوتن و"القانون" في الطب لابن سينا و"الدورة الدموية" لهارفي يضاف إلي ذلك بالطبع كتب جاليليو وميركاتور - صاحب أول أطلس - وداروين وفرويد واينشتاين. وتأتي في المرتبة الثالثة مجموعة الكتب التي تحمل تصورا شاملا لكيفية تنظيم وإدارة المجتمعات الإنسانية ومن أخطر هذه الكتب "الجمهورية" لأفلاطون و"البيان الشيوعي" لماركس الصادر عام 1848 والكتاب الأحمر لماوتسي تونج و"المختارات من حكم كونفوشيوس" و"الأمير" لميكيافيللي و"ثروة الأمم" لآدم سميث. وهكذا فإن العالم - كما تري - لا يبحث فقط فيما يقرأه اليوم وإنما يبحث عما قرأه وأثر فيه وغير حياته عبر القرون من باب تعظيم الكتاب وتكريم القراءة فهل لنا أن نسأل في يوم ما أنفسنا ماذا قرأنا وماذا نقرأ وما هي الكتب التي أثرت فينا وغيرتنا وصنعت شخصياتنا بدلا من اهتمامنا الدائم بالأفلام والمسلسلات لا غير؟!