تصر الحكومة علي أن تجعل بينها وبين الشعب خندقاً واسعاً وعميقاً.. وكلما فتح الشعب ذراعيه لها وحاول أن يقترب منها لإزالة الستائر القاتمة والسميكة التي تحجب الرؤية. تزيد هي في اتساع وعمق الخندق. وتضيف ستائر أكثر قتامة وسُمكاً.. مما يخلق حالة من عدم الارتياح. ولا أود القول إنها حالة من عدم الثقة فيها وفي قراراتها. حتي أن الغالبية العظمي من المواطنين أصبحوا يقولون جهراً وليس همساً: إن الحكومة الحالية ما هي إلا امتداد لكل الحكومات السابقة فكراً وأسلوباً. إن القرارات والإجراءات الحكومية ليست سراً حربياً.. فهي في الأول والآخر من أجل المواطن.. فكيف تكون سراً علي صاحبها.. المواطن؟! آخر هذه الوقائع التصريحات المتتالية التي أدلي بها المستشار محمد عبدالعزيز الجندي وزير العدل حول ضلوع دول عربية في مؤامرة لإسقاط مصر وتقسيمها وجرها إلي حرب مع إسرائيل دون أن يذكر أسماء هذه الدول. ومخططها بالضبط!! وبعيداً عن نظرية المؤامرة التي يشعر بها البعض في مجال العديد من مجالات الحياة. وقد تكون حقيقية أو خيالية.. فإن الحقيقة المؤكدة أن مصر طول عمرها مستهدفة من القريب قبل البعيد لأسباب كثيرة.. سواء من حيث التاريخ. والموقع. والزعامة. والقوة. والتعداد السكاني. والثروات.. ثم جد عليها قبل 63 عاماً صراع الوجود والحدود بينها وبين إسرائيل. وعندما قلنا في بدايات ثورة 25 يناير إن هناك مؤامرة خارجية تحاول ركوب الثورة لتحقيق أهداف معينة. لم نكن وقتها ندافع عن نظام سابق تهاوي ولم نكن ضد شباب نقي عاني كثيراً وله مطالب مشروعة.. بل كنا ضد فريقين يسعيان لامتطاء الثورة. ولكل أهدافه: الأول.. منظمات ومسارات وحركات أرادت الاستفادة من الثورة. وقد كان السيناريو الذي حدث ومازال مستمراً حتي يومنا هذا خير دليل علي ذلك. والثاني.. مؤامرة خارجية تشارك فيها تحديداً أمريكا وإسرائيل وقطر والسلاح الثلاثي لهذه الدول هو المال والتجسس وقناة الجزيرة.. ولذلك شواهده: * كلنا سمع وقرأ تصريحات السفيرة الأمريكية آن باترسون حول ضخ 40 مليون دولار للجمعيات غير المسجلة رسمياً دون الحصول علي موافقة من الحكومة المصرية بحجة دعم الديمقراطية.. وهو تدخل سافر في الشأن المصري الداخلي. * وكلنا سمع وقرأ تصريح ويليام بيرنز وكيل وزارة الخارجية الأمريكية رداً علي اعتراض مصر علي ضخ هذه الأموال من أن هذا التمويل لن يتوقف بمجرد نقل رسالة من القاهرة إلي المسئولين بواشنطن.. فعلاً بجاحة ووقاحة. * وكلنا سمع وقرأ ما أعلنته السفارة الأمريكيةبالقاهرة عن استعداد واشنطن لمنح كل منظمة مصرية 100 ألف دولار لمساعدتها علي خلق مجتمعات ديمقراطية.. منتهي التحدي والفجور. * وكلنا شاهد حجم الأموال التي كانت تنفق سائلة أو في صورة مواد إعاشة من أجل استمرار هيجان الشارع. * وكلنا سمع وقرأ وشاهد العديد من الجواسيس الإسرائيليين والأجانب في ميدان التحرير والسويس وعلي شط القناة وفوق كوبري العباسية وآخرهم "جرابيل" المحبوس حالياً. * وكلنا سمع وقرأ وشاهد ما كانت ومازالت تتناقله قناة الجزيرة من تهييج وإثارة للفتنة والتحريض حتي وصل بها الأمر إلي نشر "لوجو" يقول: معاً لإسقاط مصر!! نشرناه هنا في "المساء" ورفعته القناة سريعاً بأوامر من واشنطن وتل أبيب. * وكلنا سمع وقرأ وشاهد العديد من وثائق ويكيليكس التي فضحت هذه المؤامرة.. وبالأسماء. كل هذا قلته ولا ولن أتبرأ منه ومتحمل عواقبه.. لكن وبعد حوالي ثمانية شهور من اندلاع الثورة يأتي وزير العدل ويتهم دولاً عربية بالتخطيط لتقسيم مصر وجرها إلي حرب مع إسرائيل ويتحدث عن مصريين تلقوا 181 مليون دولار من دولة عربية لإجهاض الثورة. دون أن يذكر هذه الدول وتلك الدولة بالتحديد. وأسماء من تقاضوا المبالغ. ولماذا؟!.. فهذا أمر مرفوض تماماً ويضع علامات استفهام وتعجب كثيرة أمام تصريحاته. ثم.. وبعد الضغوط الشعبية والإعلامية يأتي نفس الوزير ويقول إن لجنة تقصي الحقائق المشكلة لهذا الغرض سلمت مجلس الوزراء تقريراً كاملاً. ويلقي بالكرة في ملعب المجلس ويقول إنه هو وحده الذي يملك إعلان أسماء الدول والجمعيات. ويمر أسبوع كامل دون أن تعلن الحقائق أو يصدر بيان من مجلس الوزراء بتأييد التصريحات أو نفيها. فإن هذا أيضاً مرفوض منه ومن الحكومة. نقول للسيد وزير العدل: كان عليك أن تعلن الأسماء أو تصمت.. فقد وضعت الحكومة في مأزق. وخلقت حالة من "البلبلة" وعدم الثقة في التصريحات الحكومية. إن الشعب المصري يطالب الحكومة الآن قبل الغد أن تكشف عن هذه الدول وتلك الجمعيات. الشعب لا يعنيه من قريب أو بعيد حدوتة "المصالح الدولية المشتركة".. فالمفروض ألا تكون لنا مصالح مشتركة مع أعدائنا مهما كانت التبعات سواء العدو الحقيقي الوحيد وهو إسرائيل. أو الأعداء المحتملون الممثلون في باقي دول العالم. أما حكاية الأشقاء والأصدقاء فأرجو نسيانها تماماً.. فقد كدبنا كدبة وصدقناها رغم عدم وجودها واقعياً في أي قانون أو اتفاقيات أو علم من العلوم. المفروض أن نضع أيدينا في يد مَن ينفعنا ولا يضرنا.. أو مَن يأخذنا بالأحضان ثم يضربنا في ظهرنا بخنجر مسموم. فنحن في غني عن الغدارين. كونوا شفافين وأقوياء وصرحاء وأعلنوا أسماء الدول والجمعيات وخيوط المؤامرة بالتفصيل ولو أدي الأمر إلي قطع العلاقات مع هذه الدول. أو اعتذروا عما صرَّح به وزير العدل وقولوا كما قال بوش قبل عشر سنوات: "زلة لسان".