الموقع الجغرافي لشبه جزيرة سيناء المصرية فريد في نوعه. إنها مساحة الأرض الوحيدة التي تربط بين قارتي أفريقيا وآسيا. عندما ظهر البحر الأحمر لتفصل مياهه القارتين. توقف عند جنوبسيناء. وفرد ذراعيه شمالاً ليحتضن هذه المساحة المباركة من الأرض المصرية. شبه جزيرة سيناء. هي أحد مقومات ومكونات هوية مصر كدولة أفريقية آسيوية في آن واحد.. بدونها تصبح مصر دولة أفريقية فقط. ليس مصادفة. إذن. أن حركة التحرر الأفريقية الآسيوية التي انتفضت ضد الاستعمار التقليدي في مطلع الخمسينيات. انطلقت شرارتها الحقيقية الأولي من مصر بثورة 23 يوليو 1952. وأشعلت القارتين ناراً ضد الاستعمار. ونوراً علي طريق التحرر والاستقلال. ليس مصادفة. إذن. أن حركة التضامن الأفريقي الآسيوي اختارت مصر مقراً لمنظمتها منذ نشأتها أيضاً في الخمسينيات. وكانت مصر مصدر إلهام قوي لكل رموزها. سيناء بموقعها الفريد. هي من ساهم في صنع ذلك. وكل موقع فريد له ثمنه وتكلفته.. وله مخاطره مثلما له مآثره. وقد كان ثمن موقع سيناء من أرض مصر باهظاً. ومازال. وتكلفته هائلة.. بشراً وإمكانيات. فمنذ وُجدت مصر علي ظهر الأرض. كانت سيناء نقطة ضعف في أمنها القومي. فمثلما كانت بوابة مصر إلي الشرق.. كانت أيضاً مهب رياح وعواصف الشرق علي مصر. فمن سيناء. وعبر أرضها جاءت غزوات برية عديدة علي مدي التاريخ.. من الهكسوس إلي التتار إلي الإسرائيليين. ولا يكاد التاريخ المصري القديم والحديث والمعاصر يعرف قائداً عسكرياً مصرياً لم يحارب يوماً في سيناء دفاعاً عن كل الأرض المصرية. ولذلك. ليس مبالغة أن نقول إن رمال سيناء هي أكثر بقعة مصرية ارتوت بدماء المصريين علي مر التاريخ. ولأن كل عدو لمصر. يعرف جيداً قيمة سيناء. فإن الحرب عليها لا تكاد تتوقف مع عدو. حتي تعاود الاشتعال مع عدو آخر. أو مع نفس العدو ولكن بصورة أخري. اليوم نخوض علي أرض سيناء حربنا الضارية ضد الإرهاب الذي أصبح رأس حربة في يد كل أعداء مصر مرة واحدة.. هي حرب دولية بكل ما تحمله الكلمة من معان. إن حرب تحرير سيناء من الإرهاب. هي استكمال لحرب تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي.. لم تفصل بين الحربين إلا سنوات قليلة. لم تكن كافية حتي لالتقاط الأنفاس. إن أبطال مصر من رجال الجيش والشرطة. والشعب كله من ورائهم. يخوضون هذه الحرب بشرف وجسارة يشهد بها العالم. ويقدمون كل يوم قوافل من شهداء الواجب من خيرة شباب الوطن. إننا نتطلع إلي أن تكون هذه الحرب هي آخر حروبنا علي أرض سيناء. ولن يتحقق لنا ذلك إلا إذا جلسنا معاً. وفكرنا معاً في هذا السؤال الاستراتيجي المصيري: كيف نحول سيناء من نقطة ضعف في أمن مصر القومي.. إلي مصدر قوة؟!.. كيف نصنع بها ومنها تاريخاً جديداً لمصر؟!! إنه سؤال الحاضر والمستقبل معاً.. حتي نهاية التاريخ.