منذ صدور "المساء" أمس تلقيت أكثر من 200 مكالمة تليفونية من القراء دارت كلها حول مقالي عن وزير النقل الروسي وتصريحاته الابتزازية المستفزة وغير المسئولة. بعض المتصلين كانوا في دهشة من هجومي هذا حتي أن الكثيرين منهم بادروني بسؤال ينم عن عدم استيعاب لما يحدث: "مش دي روسيا اللي طلعتم بيها السما بعد 30 يونيه..؟؟"..!!! البعض الآخر فسروا الموقف المشين لوزير النقل الروسي والذي هو موقف بلاده بأن روسيا تقربت إلي مصر عام 2013 لوضع أقدامها في الشرق الأوسط وليكون لها منفذ حيوي علي المتوسط مستغلة تأزم علاقتنا مع إدارة أوباما بسبب الإطاحة بالإخوان ولكن بعد أن "احتلت" بالفعل سوريا علي حد قولهم فإنها لم تعد في حاجة إلي مصر..!!! البعض الثالث أبدوا مخاوف صريحة من نشوب أزمة شديدة مع موسكو تعيد أمريكا إلي الساحة المصرية "منفردة" دون منافس وأن هذا ليس في صالحنا أبداً..!!! رددت علي كل "بعض" بالحجج المنطقية.. وهذه خلاصة ردودي: * أولاً.. بعد 30 يونيه 2013 كان هناك عداء علني بيننا وبين إدارة أوباما. والاتحاد الأوروبي "27 دولة" اعتبر ما حدث بمصر انقلاباً عسكرياً. والاتحاد الإفريقي بمنظماته جمَّد عضويتنا.. لم يكن معنا في ذلك الوقت سوي الدول العربية عدا قطر خاصة السعودية والإمارات والكويت والأردن والبحرين بدعم سياسي ومالي كبير فبادرت روسيا وفتحت أبوابها لنا في كل المجالات وكنا في حاجة لذلك من دولة عظمي. * ثانياً.. كانت هناك نقطة نظام وانضباط لهذا الانفتاح السياسي والاقتصادي والعسكري مع روسيا هي ألا يؤثر ذلك علي السيادة المصرية علي أراضينا وسمائنا ومياهنا ولا علي مصرية قرارنا وأن تستند العلاقات بين الدولتين إلي المصالح المشتركة. * ثالثاً: هذا الانفتاح أفادنا ولم يضرنا.. فقد دعمت روسيا ثورة 30 يونيه في وقت كانت أمريكا تعادينا بسببها والكثيرون إما أنهم يعتبرونها انقلاباً أو يؤثرون الصمت والترقب.. كما أنه أحدث توازناً عالمياً حيث بدأت الدول تعيد حساباتها تجاهنا من جديد واعترفت بثورتنا وعدنا علي كافة المستويات القارية والدولية وأصبحنا عضواً غير دائم بمجلس الأمن وتمكنَّا من تسليح الجيش "صمام الأمان للدولة" بأحدث الأسلحة سواء من روسيا أو فرنسا أو ألمانيا أو الصين وقفز ترتيبه إلي المرتبة 12 عالمياً ومن ثم أضحي يخشاه الجميع. * رابعاً.. نحن لا يهمنا من قريب أو بعيد الأسباب الحقيقية لانفتاح روسيا علي مصر ما دمنا نحافظ علي سيادتنا ومصرية قرارنا.. فقد أصبح لدينا جيش قوي جداً وشرطة علي أعلي مستوي وانتهجنا سياسة "الحرب والبناء معاً".. حرب علي الإرهاب الأسود وإعادة بناء الدولة من جديد وها نحن نسير في الاتجاهين بنجاح منقطع النظير.. ومن لا يري ذلك فهو أعمي. * خامساً.. من المستبعد تماماً حدوث أزمة شديدة مع موسكو خاصة بعد زوال إدارة أوباما ووصول ترامب للحكم.. وفي رأيي أن روسيا أرادت أن يكون لها وضع مميز عن أمريكا في مصر وظنت وأن بعض الظن إثم أن حادث الطائرة سيضع إصبعنا تحت ضرسها وسنوافق علي أن تدير وتراقب مطاراتنا.. لكن هذا هو المستحيل الرابع.. ومن ثم فإن ما قاله وزير النقل الروسي وهو رأي إدارته طبعاً فيه تعد علي سيادتنا وهو مرفوض من أي مخلوق علي وجه الأرض.. ولكن يظل الخلاف محصوراً في نطاق الطيران المدني والسياحة فقط. * سادساً.. إذا كانت موسكو تظن اننا سنموت إذا لم ترفع الحظر عن رحلاتها الجوية وسياحها فإنه يكون تفكيراً قاصراً لأن حاجتنا للسياحة لا تكون علي حساب كرامتنا وسيادتنا.. ثم إن السياح الروس بالذات لا يقدمون ولا يؤخرون في الدخل القومي لأن سياحتهم رخيصة إن لم تكن فقيرة جداً "عدد في الليمون" وما كان ينفقه 100 سائح روسي أقل بكثير مما كان ينفقه سائح أمريكي أو أوروبي واحد.. ومن ثم فلتهنأ بهم تركيا أو أي بلد آخر وأعيد عليهم المثل الشعبي الذي ذكرته أمس "تموت الحرة.. ولا تأكل بثدييها". * سابعاً.. قولاً واحداً.. ان العلاقات بين الدول لا تتأزم لخلاف صغير أو حتي كبير في مجال ما لأن هذه العلاقات متشعبة وهناك مصالح مشتركة في مجالات أخري ربما تكون أهم من هذا المجال المختلف عليه.. بدليل اننا نرفض محاولة هيمنة روسيا علينا في مجال الطيران المدني ونعتبر منع رحلاتها وسياحها قراراً سيادياً لها هي حرة فيه وسوف تحل المشكلة إن عاجلاً أو آجلاً.. ومع ذلك فإن العلاقات بين البلدين مستمرة في مجالات أخري كثيرة ولعل أهمها التسليح وبناء محطة الضبعة النووية.. ثم إن تأزم العلاقات ليس أبداً في صالح روسيا في المقام الأول.. نحن مصر يا سادة قلب المنطقة النابض ولسنا إحدي جزر الموز. قرائي الأعزاء.. أرجو ألا تخرجوا مقالي عن مضمونه وهدفه.. فقد كنت أرد فيه علي تصريحات وزير النقل الروسي المستفزة وغير المسئولة والتي مازلت اعتبرها ابتزازاً رخيصاً وجليطة وإهانة تستوجب الاعتذار العلني.. أنا لم ولن أسيء لروسيا الدولة. وبعيداً عن كارثة الطائرة الروسية بكل جوانبها وتوابعها والمواقف والمطامع المترتبة عليها فإن علاقتنا بموسكو جيدة جداً في باقي المجالات.. نحن نتعامل مع كل دول العالم كبيرها وصغيرها من خلال القانون الدولي.. ودستور يتكون من 4 بنود: "المصالح المشتركة والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الداخلية للآخر أو المساس بالسيادة الوطنية".. من يحترمه فأهلاًً وسهلاً. ومن لا يحترمه فنحن في غني عنه.