نحن لا ننكر أبداً موقف روسيا الإيجابي من ثورة 30 يونيه 2013. ولا ننكر أيضاً أنها دعمتنا لدي فرنسا للحصول علي حاملتي الهليوكوبتر "ميسترال" بعد سحب الصفقة من موسكو. وأنها أمدتنا بأسلحة حديثة في إطار تنوعينا لمصادر السلاح. ولا ننكر كذلك أنها الدولة التي ستقيم لنا مفاعل الضبعة النووي.. وإن كان هدفها الأول من كل هذا أن تناطح أمريكا بمصر كتفاً بكتف. لكن.. أن تتجاوز روسيا الخطوط الحمراء معنا فإن هذا لن يكون.. سيادتنا علي أرضنا وسمائنا ومياهنا. وسياستنا الخارجية أمور لا فصال فيها ولا تنازل عنها.. لا روسيا ولا أمريكا ولا الاتحاد الأوروبي ولا العالم كله.. ذراعنا لن تُلوَي. ولدينا البدائل في كافة المجالات. قد يسألني سائل: ما هي مناسبة هذا الكلام الخطير؟!.. مناسبته هو التصريح المستفز وغير المسئول الذي أطلقه مكسيم سوكولوف. وزير النقل الروسي لمحطة "روسيا اليوم" وفنده بحرفية رائعة أمس الأول زميلنا الأستاذ محمد عطية. مدير تحرير العدد الأسبوعي ل"المساء" والمتخصص في شئون الطيران المدني. الذي لا أعتبره صحفياً متمكناً ولامعاً فقط. بل أيضاً خبيراً في تخصصه. فمنذ سقوط الطائرة الروسية في سيناء أوقفت روسيا رحلاتها ومنعت سياحها من السفر لمصر. وتبعتها العديد من الدول بتشدد حتي يتم تأمين مطاراتنا ويجيز الخبراء ذلك.. وبالفعل فعلنا ما هو مطلوب وأكثر. واجتازت مصر التفتيشات الأمنية "المراجعات" من جميع المنظمات والكيانات الدولية وفي مقدمتها "اكو" و"اياتا" وكذلك سلطات الطيران المدني في أعتي دول العالم مثل أمريكا والاتحاد الأوروبي. بل وهيئات السلامة في كل من دول الاتحاد وغيرها.. باختصار.. كنا "زباين" للكل. وكأن مصر هي الدولة الوحيدة التي تعرضت لحادث إرهابي. بالفعل حصلنا علي جائزة عملنا وصبرنا. حيث أعادت غالبية هذه الدول رحلاتها وسياحها. وفي مقدمتها ألمانيا واليابان. وفي الطريق بريطانيا.. إلا أن روسيا وحدها دأبت علي أن ترسل إلينا خبراءها كل فترة قصيرة ويعودون إلي بلادهم دون أن يضبطوا أي مخالفة. أو يجدوا ملاحظة علي مطاراتنا. ودون أن يصرحوا بأي تصريح إيجابي أو سلبي. وكأنهم كانوا في فسحة. ويعيدون الكَرَّة من جديد ونحن صابرون عليهم حتي ضاق صدرنا منهم.. وعندما طلبنا منهم حسم الموقف من عودة الرحلات والسياح.. خرج علينا وزير النقل الروسي ليرغي ويزبد ويخترق الحدود والأسقف.. ومن يخترق يحترق. قال إن فريق الخبراء الروس الذي اختبر إجراءات الأمن بمطار القاهرة مؤخراً خلص إلي أنه من غير الممكن استئناف رحلات الطيران في القريب العاجل. وأن بلاده تنتظر دعوة من مصر لإجراء تقييم في المطار و"يأمل أن تكون من الاختبارات النهائية"!!! يا سلام.. يعني خبراء روسيا أكثر حرفية من الخبراء الأمريكان والإنجليز والأوروبيين. الذين أشادوا جميعاً بإجراءاتنا؟!.. لأ وإيه.. "يأمل" أن يكون ذلك "من" الاختبارات النهائية!!.. أي أن هذا "الأمل" علي المحك فقد يتحقق وقد لا.. وحتي لو "حنُّوا" علينا وتحقق. فستكون هناك زيارات أخري من الاختبارات النهائية التي لا تنتهي طبعاً إلا إذا تحقق مرادهم.. ومرادهم هو ما قاله بعد ذلك بشكل صريح ومستفز من أن روسيا أرسلت مذكرة إلي مصر مع دعوة لتوقيع اتفاق حكومي بشأن أمن الطيران. وأن مجلس الوزراء الروسي اعتمد بروتوكولاً للتعاون مع مصر في مجال أمن الطيران المدني لمواجهة التهديدات الإرهابية المتزايدة!!! يا سيد يا "محترم".. أن تُعِّدُوا بروتوكولاً دون أخذ رأي مصر أو تتشاوروا معها. فهذا شأنكم.. وأن يوافق عليه مجلس وزرائكم. فهو حُر.. لكن أن تدعو مصر أو بمعني أصح تستدعيها للحضور والتوقيع علي أن تعتدوا علي سيادتنا بإرادتنا. فهذا ليس له سوي معني واحد. أنه ابتزاز مفضوح. ورخيص وإهانة لا تغتفر. وتستوجب الاعتذار.. مصر ليست مستعمرة روسية!!! زميلنا محمد عطية. طاح أمس الأول في هذا الوزير من خلال كلمته بصفحة "طيران * طيران" ولولا أنه يكتب في جريدة محترمة. ويراعي العلاقات بين البلدين. لفرش له أقذر ملاية من أحقر حارات بمصر.. الموضوع تعدي تأمين المطارات. وتحول إلي ابتزاز رخيص وجليطة. شوف يا عمنا الوزير.. حلال عليكم العقود التي أبرمت معنا. ودفعنا فيها مليارات الجنيهات لتوريد محطات رادارية وأجهزة كشف عن المفرقعات قد لا نحتاج أغلبها.. واستمراركم في إنشاء مفاعل الضبعة من عدمه. أمر يخصكم. فلدينا بدل البلد عشرة يمكنها إقامته. وبنفس الجودة والتسهيلات.. ومن حقكم وقف إمدادنا بالسلاح. ونحن ننوع مصادر السلاح بكم أو من غيركم. ونشتريه بأموالنا. والأسواق مفتوحة.. عندنا مثل شعبي يقول: "يا نحلة لا تقرصيني. ولا عايز منك عسل".. وبالتالي.. أن تتحول العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلي ابتزاز وتدخل في السيادة المصرية وعلاقاتنا بدول العالم. أو تفكروا مستقبلاً في منحكم قاعدة عسكرية مثلاً. فإن هذا كله هو المستحيل الرابع. وشوف يا عمنا.. إذا كان ثمن رفضنا هذا الابتزاز هو استمرار وقف الرحلات ومنع سياحكم فالله الغني.. وعندنا مثل شعبي آخر يقول: "تموت الحرة.. ولا تأكل بثدييها".. يكفينا جداً الشهادات الدولية التي حصلنا عليها من خبراء أكثر منكم مهنية. رأيي أن مصر لابد أن تصرف النظر عن هذا الملف تماماً. ولا توافق مجدداً علي قدوم أي خبراء روس للتفتيش ولو لمرة واحدة.. فقد عملنا ما هو واجب علينا. ليس من أجل سواد عيون أحد بعينه. بل من أجل سمعتنا نحن. والجميع أشاد بما عملناه.. وبالتالي.. من أراد أن يتبادل معنا الرحلات الجوية. ويرسل سياحه إلينا. فأهلاً وسهلاً.. ومن لا يريد لأغراض شخصية. أو لأمراض متوطنة لديه. فليهنأ بأغراضه. وليشفه الله من أمراضه.