التقيتُه - للمرة الأولي - في بدايات الربيع عام 2001 ببناية عتيقة " اتحاد كُتَّاب مصر " . صافحني بابتسامة ودودة . وحيَّاني بكلمات عبقة . أبديتُ له انبهاري بروائعه الإبداعية " دائرة الانحناء - كشف المستور - الناس في كفر عسكر - حكايات المدندش " وغيرها .. كان ينصت إليَّ كمُعَلِّم راقي . وأستاذ جليل . وأديب تلَّقت الذائقة العربية نتاجه باستحسان كبير وترحاب عميق . كنتُ أعرف أحمد الشيخ كأحد عمالقة جيل الستينيات . يحمل هموم الإنسان البسيط راصدًا علاقة هذا الإنسان بمجتمعه . ومعاناته خلال سعيه من أجل عيشة كريمة وحياة رغدة . بعيدًا عن إرهاصات القهر . وتشظي الواقع . وتعمُّد التهميش . أديبنا تشغله ظواهر مجتمعه باخفاقاته . ويعشق أطوار الطفولة عند أبناء وطنه . ويري فيها عالمًا يسكننا ويخلصنا من مواجعنا . ويحزنه تجاهل النقاد لأعمل متفردة . ويشجب كتابات ضعيفة تملأ الساحة . احتفت به جريدة " القاهرة " بنشر حوار كان قد كلفني به أستاذنا صلاح عيسي "رئيس التحرير" . فتح لي أحمد الشيخ قلبه وعقله متحدثًا عن سنوات الطفولة . وأعوام الدراسة . ومراحل الجامعة . وعشقه للقراءة . وولعه بالتاريخ . وانبهاره بالتراث والحكايا . ولم يغب عنه مشهدنا الثقافي بأزماته . فراح يفند بواعث المرض ويوصي بأمصال العلاج المناسبة . يومها استرسل موضحًا علاقته ب "الرواية" كجنس أدبي رغم أنه يري نفسه قاصًا . معلنًا - دون تردد - أن القصة القصيرة هي لغة المستقبل . وتتعدد اللقاءات والمناقشات بيننا . فكنتُ أتصل به . ويتصل بي - عبر الهاتف - بين حين وآخر . فيخجلني بتواضعه الجميل . وإنسانيته الراقية . وكلماته المفعمة بشذا الفنون والإبداع . وكان حواري الأخير معه - منذ أسابيع قليلة - نشرتْه جريدة " الزمان " المصرية . لم تزعجه أسئلتي برؤاها المستفزة . أجابني بأجوبة الرحيل بشجوها وشجونها . انهيتُ حواري معه بسؤال عن جديد كتاباته . فأخبرني بأنه انتهي من كتابة رواية عَنْوَنَها ب " سنوات اليتم المتواصل " . وكأنه أراد أن يختم حياته بمنحه شهادة تكريم لليتيم - عامةً - عبر إبداع متميز وجميل . ويطل علينا عام 1985 ليزف إلينا خبرين سعيدين يتوجان تواجده المتألق وحضوره المتميز . فهاهي الدولة تعلن عن فوزه بجائزتها التشجيعية في الآداب . وتمنحه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولي . فيُثلج صدره فرحًا رغم يقينه المُعْلَن بأن الجوائز لا تصنع مبدعًا . ولا تُخلِّد كاتبًا . لكنها فرحة تقدير الآخرين لحرفه واحتفائهم به . منذ أعوام أباح لي بأنه بصدد كتابة لون أدبي جديد أسماه " القصقصيدة " وهو مزاج من سمات القصة ومواصفات القصيدة . أسمعني أحد النصوص . أشفقتُ عليه وسنوات عمره تهرول نحو الثمانين . صارحتُه بأن هذا اللون يحتاج إلي " تأصيل " بتبني أقلام مبدعة له . وانتشاره عبر وسائل الإعلام "مسموعة ومقروءة " . واعتراف من قِبَل المؤسسات الثقافية . واستحسان قطاع عريض من النقاد له . ضحك أديبنا ببراءته المعهودة . وقال مستصعبًا الأمر . وكأنه ينعي نفسه : يااااااه . كل ده؟ . لم يتبق من العمر شيئًا . أحمد الشيخ لمن لا يعرفه تربطه علاقة حميمة بربه . مؤمنًا بقضائه وقدره . مفوضًا أمره كله إليه . مرحبًا بلقائه في أي لحظة . أستاذي الجليل أحمد الشيخ .. هنيئًا لك بلقاء الله الذي طالما أحببتَه.