لا أعرف من هو ذلك العبقري.. أو ما هي الجهة الذكية التي تعمدت افتعال أزمة مع القضاء في هذا التوقيت الصعب الذي توالت فيه الأزمات مع الصحفيين والأطباء والمهندسين والصيادلة.. هل انتهت مشاكلنا مع الغلاء والبطالة وسوء التعليم وتدهور الخدمات الصحية حتي نفتح صفحة جديدة للمشاكل مع القضاء الذي هو عنوان الأمن والعدل.. أم أن المطلوب أن نظل في مشاكل وأزمات متتالية ولا نشعر بالاستقرار؟! هذا العبقري.. أو هذه الجهة الذكية.. تنبهت فجأة إلي ضرورة إجراء تعديلات علي قانون الهيئات القضائية.. فأحدثت أزمة كبيرة مع القضاة الذين رأوا في مشروع التعديلات المقترحة لهذا القانون مساسا باستقلالهم.. واعتداء سافرا من البرلمان "السلطة التشريعية" علي السلطة القضائية. ورغم أن الهيئات القضائية رفضت هذه التعديلات رفضا باتا.. وبكل وضوح.. كما رفضتها القامات القضائية الوطنية العالية.. المشهود لها بالكفاءة والنزاهة.. إلا أن اللجنة التشريعية بمجلس النواب التي خرج مشروع التعديلات من جلبابها تصر علي المضي قدما في مناقشة المشروع.. ومنحت الهيئات القضائية - الرافضة أصلا - مهلة 10 أيام لابلاغها بموقفها النهائي. وينص مشروع القانون الخاص بالتعديلات المقترحة علي أن يعين رئيس هيئة النيابة الإدارية بقرار من رئيس الجمهورية من بين ثلاثة من نوابه يرشحهم المجلس الأعلي للهيئة.. وتعيين رئيس هيئة قضايا الدولة بقرار من رئيس الجمهورية من بين ثلاثة من نوابه يرشحهم المجلس الأعلي للهيئة.. وتعيين رئيس محكمة النقض بقرار من رئيس الجمهورية من بين ثلاثة من نوابه يرشحهم مجلس القضاء الأعلي.. ويعين رئيس مجلس الدولة بقرار من رئيس الجمهورية من بين ثلاثة من نوابه ترشحهم الجمعية العمومية بمجلس الدولة. وقد رأي القضاة أن هذه التعديلات تزج برئيس الجمهورية في مسألة ليست من اختصاصه.. وهي تعيين رؤساء الهيئات القضائية.. إذ أن المستقر في التقليد القضائي أن تراعي الأقدمية المطلقة في تعيين رؤساء الهيئات القضائية.. وهو تقليد معتمد ومستمر وثابت.. ولم تطلب أية جهة قضائية تغييره أو تعديله.. لأنه يضمن استقلال السلطة القضائية وعدم تدخل الأهواء الشخصية في اختيارات التعيين.. ناهيك عن سد أية ثغرة يمكن للسلطة التنفيذية أن تتدخل من خلالها في ترتيبات وإجراءات هي من صميم اختصاص السلطة القضائية وحدها.. وتتعلق بشئونها الخاصة. ومعلوم للكافة أن استقلال القضاء هو واحد من أهم عناصر القوة التي تتمتع بها مصر تاريخيا علي المستويين الاقليمي والدولي.. وأي مساس ولو من بعيد بهذا الاستقلال سوف يسيء إلي مصر والمصريين ويفقد الدولة المصرية كثيرا من هيبتها ومكانتها. وقد اعترض المستشار محمد عبد المحسن رئيس نادي القضاة علي التعديلات المقترحة مؤكدا ان "القضاء تحكمه تقاليد ومبادئ وأعراف ثابتة ومستقرة هي من صميم استقلاله ولا يجوز المساس بها".. كما رفض نادي النيابة الإدارية تلك التعديلات.. وقال الفقيه القانوني المستشار طارق البشري إن مشروع التعديلات يمثل عدوانا علي الدستور.. وهناك 3 أسباب رئيسية لرفضه.. أولها عرف الأقدمية المطلقة.. وثانيها استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية التي يمثلها رئيس الجمهورية.. والثالث هو عدم وجود خلاف سابق بشأن قواعد الاختيار المتبعة. الأمر الطبيعي أن القضاة الذين يحكمون بين الناس يعرفون حدودهم جيدا.. ويفهمون معني استقلال القضاء.. وهم أدري بشئونهم.. وإذا قال نادي القضاة إن مشروع قانون التعديلات يمس استقلال القضاء فلا يصح التمادي بعد ذلك في عقد جلسات استماع ومناقشات.. القضاة أصحاب الكلمة الأخيرة فيما يخصهم من قوانين.. وعلي كل الجهات. أو الأفراد الذين يستهويهم إثارة الشغب واختلاق الأزمات أن يكفوا أيديهم عن القضاء وعن القضاة.. ومن الأفضل لهم ولمصر أن يسحبوا مشروعهم وتعديلاتهم.. فيريحوا ويستريحوا.