لم أهتم بالسؤال عن اتجاهاته. هل هو إخواني أم سلفي أم ليبرالي أم حتي ملحد.. كل ذلك لا يهم. فأنت. أولا وأخيرا. أمام بطل شعبي. في زمن عزت فيه البطولة. أمام رجل في زمن خنث فيه الكثير من الرجال. محمد عيسي العليمي ابن قرية "شما" مركز أشمون منوفية. مادة ثرية وخصبة وملهمة لرواة السير الشعبية وكتاب المسرح والرواية. سيرة مذهلة وبطولة نادرة وسقوط تراجيدي كأي بطل نبيل سمعنا عنه أو تناولته الأعمال الأدبية. قصته تستحق أن تخلد وتروي للأجيال. شاب في الأربعينيات من عمره. يعمل "مبلط سيراميك" لكنه أوتي من الفصاحة والشجاعة والفهم والشهامة والرجولة ما حرم منه الكثيرون. اطلقوا عليه "رئيس جمهورية شما".. يجتمع الآلاف ليستمعوا إليه ويستجيبوا لمطالبه التي هي لصالح قريته. يجمع جنيها من هنا وآخر من هناك. يخصص مكانا لإنشاء وحدة غسيل كلوي في قريته. ويسعي لإنشاء مدرستين في القرية. وغيرها من المشروعات التي يحلم بها لأهله. تسمعه فتشعر انك أمام رومانسي حالم يمتلك فصاحة لا يمتلكها أكثر المتعلمين. تشاهده فتأخذك "كاريزمته" وكأنك أمام "جيفارا" أو غيره من الثوريين الرومانسيين الحالمين دائما بغد أفضل يحفظ كرامة الإنسان ويستجيب لمطالبه البسيطة والمشروعة. خطأه التراجيدي أنه وقف في وجه الظلم والبلطجة والتواطؤ الأمني. قاد قريته للوقوف في وجه عائلة من البلطجية وتجار المخدرات. وتلقي تهديدات بالقتل وخاطب كل قيادات البلد. لكن أحدا لم يحمه وتركوه جميعا يلقي مصيره مغتالا برصاصات الغدر التي أطلقها من يدرك تماما أن أحدا لن يحاسبه. بل ربما شكروه علي إنهاء حياة هذا "الزعيم". لو شاهدت جنازته التي شارك فيها الآلاف لبكيت حزنا كما بكيت أنا. وإن كان بكائي قد اتبعه فرح بأن أملا مازال قائما في هذا البلد الذي تمزقت فيه آماله وخبت فيه أحلامه. وانطفأت. محمد عيسي العليمي أيا كان من اغتاله. فدمه في رقبة هذه الحكومة وأمنها الذي لم يلب استغاثاته وتركه وحده يواجه مصيره.. إن كسلا أو استهانة أو تواطؤاً وهو في كل الأحوال - الأمن - مدان ويستحق المحاسبة. هل يحمل كل منا سلاحا يدافع به عن نفسه.. أم تريدون الناس وقد وضعوا أحذيتهم في أفواههم وهانوا واستكانوا حتي تنعموا أنتم بالخير وتواصلوا التواطؤ.. تسقط أي حكومة تتواطأ ضد بطل كهذا.. أو علي الأقل تتقاعس عن حمايته!!