لم تعد الحروب الآن تستخدم الأسلحة والمعدات العسكرية فقط كما كانت في السابق بل أخذت أشكالاً جديدة واستحدثت وسائل وأساليب أخري لتحل محل الحروب التقليدية بين الجيوش المختلفة وذلك تزامناً مع التطور التكنولوجي المستمر خاصة في مجال الاتصالات والمعلومات حيث ظهر مؤخراً ما يعرف بحروب الجيل الرابع والتي استغلتها دول بعينها للتأثير بشكل كبير علي المنطقة. تقسم الحروب الحديثة إلي أربعة أجيال. حروب الجيل الأول هي الحرب التقليدية بين الجيوش النظامية للدول وظهرت تقريباً في الحقبة من 1648 حتي 1860. ويكون فيها أرض معارك محددة بين جيوش تمثل دول في حرب ومواجهة مباشرة. وهذا التعريف طبقاً لما عرفه ويليام ليند "William.S.Lind" الكاتب والخبير الأمريكي في الشئون العسكرية. وحروب الجيل الثاني ظهرت في الجيش الفرنسي قبل وبعدد الحرب العالمية الأولي وهي شبيهة بالجيل الأول من الحروب التقليدية ولكن تطورها جاء للاستخدام المكثف للنيران مع تطور استخدام الدبابات والطائرات بين الأطراف المتنازعة كما حدث في الحرب العالمية الأولي. وحروب الجيل الثالث كانت بداية ظهورها في الجيش الألماني وهي تتسم بالقدرة العالية علي المناورة والحرب وراء خطوط العدو. وعرفها بعض المحللين العسكريين بالحروب الوقائية أو الاستباقية. وهي كالحرب علي العراق وأفغانستان وتميزت هذه الحروب بالمرونة والسرعة في الحركة. أما حروب الجيل الرابع فهي الأحدث وتعد من الأشكال الجديدة للحروب وهذا المصطلح استخدم لأول مرة في عام 1989 من فريق من المحللين بالولايات المتحدة. بما في ذلك وليام.س.ليند. كما أن أحد الخبراء العسكريين الأمريكيين البروفسور الأمريكي د. ماكس.ج. مانوارينج "Dr.Max.G.Manwaring" - الباحث والمحلل الاستراتيجي بمعهد الدراسات الاستراتيجية. وهو معهد تابع لكلية الحرب للجيش الأمريكي يعمل في مجال البحوث الاستراتيجية والأمنية عرف حروب الجيل الرابع في محاضرة علنية بأنها "الحرب بالإكراه لإفشال الدولة. وزعزعة استقرارها ثم فرض واقع جديد يراعي مصالح العدو". ويهدف هذا الجيل من الحروب إلي تفتيت مؤسسات الدولة الأساسية والعمل علي انهيارها أمنياً واقتصادياً وتفكيك وحدة شعبها من خلال الإنهاك والتآكل البطيء للدولة. وفرض واقع جديد علي الأرض لخدمة مصالح العدو. وتحقيق نفس أهداف الحروب التقليدية "الجيل الأول - الثاني - الثالث" بتكلفة أقل "بشرية - مادية.. إلخ". كما تستهدف أيضاً تجنب مشكلات ما بعد الحرب "الروح العدائية ضد الدولة المعتدية". ويأتي ذلك في إطار تحقيق هدفين رئيسيين هما الدولة الفاشلة ثم الإكراه لتنفيذ إرادة العدو. وذلك تأكيداً لمقولة "مانوارينج" الشهيرة في محاضرته إذا فعلت هذا بطريقة جيدة ولمدة كافية وببطء مدروس. فيستيقظ عدوك ميتاً". ومن أبرز سمات هذا الجيل من الحروب أنها ليست نمطية كحروب الأجيال السابقة وتعتمد علي التقدم التكنولوجي ولا تستخدم فيها الأسلحة التقليدية بل الذهنية "القوة الذكية". كما أنها تعمل علي تحويل الدول المستهدفة من حالة الدولة الثابتة إلي الدولة الهشة وهي تستهدف الدولة بالكامل "بما فيها المدنيين". وتتسم أيضاً بعدم وضوح الخطوط الفاصلة بين الحرب والسياسة. والعسكريين والمدنيين. وتعتمد علي مجموعات قتالية صغيرة في الحجم وعلي شبكة صغيرة من الاتصالات والدعم المالي. وفيما يتعلق بأساليب وأدوات حروب الجيل الرابع فإن التظاهرات بحجة السلمية تأتي في مقدمة هذه الأدوات. ويليها الاعتداء علي المنشآت العامة والخاصة. والتمويل غير المباشر لإنشاء قاعدة إرهابية غير وطنية أو متعددة الجنسيات داخل الدولة بحجج دينية أو عرقية أو مطالب تاريخية. والحرب النفسية المتطورة للغاية من خلال الإعلام والتلاعب النفسي. واستخدام محطات فضائية تكذب وتقوم بتزوير الصور والحقائق "تمويل المحطات أو الإعلاميين أو أصحاب المحطات". ويستخدم فيها وسائل الإعلام التقليدية والجديدة "مواقع التواصل الاجتماعي". وأيضاً من بينها تطوير التكتيكات لاختراق وتجنيد التنظيمات داخل الدولة المستهدفة والعمل باسمها وبغيرها من التنظيمات التي تأخذ الطابع المتطرف واستخدام مرتزقة مدربين لتحقيق مخططات في الدول المستهدفة. بالإضافة إلي استخدام تكتيكات حروب العصابات وعمل تفجيرات ممولة بطريق مباشر أو غير مباشر. والتمرد للأقليات العرقية أو الدينية. وضرب طبقات المجتمع بعضها البعض. واستخدام كل الضغوط المتاحة "السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية.. إلخ" مثل التلويح بقطع المساعدات أو التهديدات العسكرية.. إلخ. واستخدام منظمات المجتمع المدني والمعارضة والعمليات الاستخبارية. وأخيراً استخدام العملاء في الدول المخترقة وتسليط الأضواء عليهم ومنحهم الجوائز العالمية. وتعتبر حروب الجيل الرابع المثلي هي التي تبدأ ولا يشعر بها أحد. وتستخدم القوة الذكية "Smart Power". وا لتي تعتمد علي التنوع الكبير والاستخدام الذكي للقوة الناعمة والقوة الصلبة في تناغم عال مخطط طويل الأمد حتي تستيقظ الدولة المستهدفة في النهاية وهي ميتة.