اللغة.. اللغة هي شفرة الكتابة السرية. الشفرة التي لا يملك حلها أو فك رموزها سوي الكتاب الجادين المغامرين القادرين علي التسلح بكل الأدوات اللازمة عند الدخول إلي معترك الأدب أو الكتابة الإبداعية. من الكتاب الذين يملكون أسرار هذه الشفرة. القاص والروائي "محمد قطب" ذلك الحكاء الجميل والذي نلمس براعته في التعامل مع اللغة في مطالعة مجموعته القصصية الجديدة "الحلم يأتي غداً" والصادرة مؤخراً في سلسلة "مختارات" والتي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة. في القصة الأولي في هذه المجموعة "عندما يجف النهر" يحدثنا الكاتب عن حالة من الجفاف من التشقق من التصحر. قد تكون أصابت النهر أو الأرض أو حتي البشر أنفسهم.. ويتناول بالطبع ردود أفعال الكل تجاه هذه الحالة وكيفية مواجهتهم لها.. وينتهي بنا إلي الحكمة أو المضمون المبتغي من وراء هذا النص.. ألا وهو ضرورة التحلي بالقدرة علي التحدي والتصرف. والتمسك بإرادة الفعل والإنجاز في مواجهة تلك الحالة وما عداها من الحالات. بعيداً عن آليات الهروب والرحيل والاستسلام. المهم في هذا النص والذي نعول عليه هنا أسلوب التعبير اللغوي. طريقة صياغة اللغة ألفاظاً وكلمات وعبارات. تجسد الحالة والمناخ. تجسد المعاناة والمأساة. تبرز المكامن والأعماق وما وراء السطح والقشرة.. بشكل يجعلك أيها القارئ تعيش القصة والحكاية والمشكلة. لقد عبرت اللغة بالفعل عن حالة الجفاف بسكونه وتحركه. بقتله أو كاد للخضار والنماء. وزحفه علي البيوت والبشر.. ولنتأمل ذلك الخطاب الموجه للنهر في صورة نداء: "قل لي يا نهر ماذا نفعل" هنا كما لو ان النهر انسان مصاب. فرد عليل. ولكن لأنه دوماً الخير الجريان الحياه. كان هناك بصيص من الأمل يتمثل لغوياً عند الكاتب في الاستفهام المعروف جوابه مسبقاً: ماذا نفعل؟.. وأيضاً عند الهمس والتساؤل المشروع للنفس. والذي يدفع كما قلنا ضمنياً بمشروع الحل وبداية الخروج من الأزمة: أتهون علينا؟ أيمكن؟ وفي قصة "شعاع من الماس" يتناول "محمد قطب" موضوع الثورة والانتفاض ضد الظلم والاستبداد لكنه يتناوله في شكل جديد ومن خلال مشهد بائس مظلم وان احتوي في داخله علي ذات الأمل والرجاء.. انها لحظة تشييع جثمان الثائر "عبدالغفار" والذي راح ضحية الغدر والظلم بعد ثورته عليه لأول مرة ووقوفه في وجهه وقيادته للجموع في مقاومته. وفي هذه اللحظة المفعمة بالحزن بعد انتصار الظالم "أبواليزيد" وأتباعه علي الثورة ومفجرها.. نجد الراوي يلمح الأمل عائداً من جديد ليعزف نشيد التحرر والخلاص من خلال رؤيته لشعاع من الماس كما تراءي له يخرج من بين الناس المشيعين والسائرين في الجنازة. ليستقر عند أحد الأطفال الذين يمثلون بوجودهم ثمرة الظلم والقهر والتسلط وهم في الحقيقة منه براء.. فيتوحد الطفل معه ويمتزجان معاً ضوءاً وليداً يستعد لبدء دورة جديدة في محاولات محو الظلمة ودرء الانكسار. هكذا وعلي امتداد مجموعته القصصية ينجح الكاتب "محمد قطب" في الوصول للقارئ. وتمرير ما أراد تمريره له من مضامين وأفكار. بل وحالات وانفعالات مصاحبة.. اذ انه بالفعل يمتلك سر الشفرة.. أو لغة الكتابة.