لا أعرف ما الذي يزعج البعض من وجود خانة الديانة في بطاقة الرقم القومي لكل مواطن مصري. حتي يحتشدوا من أجل إلغائها. إن كان ذلك بسبب أنهم يرون وجود هذه الخانة معبرا عن "تمييز" بين المواطنين. فلماذا لا يطالبون أيضا بإلغاء خانة "الجنس" الموجودة بنفس البطاقة. والتي تحدد إن كان صاحب البطاقة ذكرا أم أنثي باعتبار أنها تمييز للجنس أو النوع؟! إن هذه الخانة مثلا كانت الأولي بالإلغاء. لأنه. فيما عدا بعض الاسماء التي يتشارك فيها الرجال مع النساء مثل "عصمت" أو "شيرين". فإن الشكل الخارجي لحامل أي بطاقة كفيل بإثبات نوعه وجنسه إن كان ذكرا أو أنثي. ولماذا لا يطالبون أيضا بإلغاء الخانة الثالثة والأخيرة في بطاقة الرقم القومي وهي خانة الحالة الاجتماعية. والتي يسجل فيها إن كان متزوجا أو أعزب أو مطلقا أو أرملا. باعتبارها نوعا من التمييز الاجتماعي. وأن بيان الحالة الاجتماعية شأن يهم الشخص نفسه؟! ثم ان خانة الديانة. مثلها مثل خانة النوع أو الجنس. لم توضع في بطاقة الرقم القومي من فراغ. بل إنها مسجلة في شهادة ميلاد كل مولود. أي أنها من البيانات الأساسية المصاحبة للإنسان منذ ميلاده حتي نهاية عمره. فهل نلغي الخانتين من شهادة الميلاد أيضا. ان وجود خانة الديانة في بطاقة الرقم القومي له وظيفة. ولم يوضع اعتباطا. ولا بهدف التمييز السلبي الذي يمكن أن يترتب عليه انتقاص من حقوق أو إضافة لواجبات مما هو مقرر لكل أبناء الوطن بمقتضي مبدأ المواطنة. بل هو تمييز ايجابي مطلوب لصالح الوطن والمواطنين جميعا. وإلغاؤه يفتح الطريق أمام فوضي لا نهاية لها. سوف يتضرر منها الجميع. وأولهم أولئك الذين يطالبون اليوم بهذا الإلغاء. إننا لسنا في مجتمع مثالي. كما أن القانون يجب أن يحتاط لكل الاحتمالات. مثلا.. وخانة الديانة موجودة في بطاقة الرقم القومي.. كم فتنة اشتعلت بين مسلمين ومسيحيين في قري ومحافظات مصر. كان سببها قصة حب بين مسلم ومسيحية. أو بين مسيحي ومسلمة. وترتب عليها ازهاق أرواح. وحرق منازل وزراعات. وتهجير طوعي أو قسري لأسر بأكملها أحيانا؟! ما الذي يمكن أن نتوقعه لو ألغينا هذه الخانة من البطاقة. في ظل وجود أسماء كثيرة مشتركة بين المسيحيين والمسلمين؟! شاب مسلم يتقدم لخطبة فتاة مسيحية. أو شاب مسيحي يتقدم لخطبة فتاة مسلمة. دون أن يكون أحدهما أو كلاهما علي علم باختلاف ديانتيهما. أو كانا عالمين وأخفيا ذلك عن أسرتيهما تحت تأثير مخدر الحب؟! مواطن أو مواطنة. لقي مصرعه في حادث سير مثلا. ولم يتسن للسلطات المختصة الوصول إلي أهله لاستلام جثمانه. وأمرت النيابة بدفنه.. كيف يمكن التعرف علي ديانته حتي يتحدد مكان الصلاة عليه إن كان بالمسجد أو بالكنيسة. ومكان دفنه؟! إرهابي دخل مسجدا وفجره. أو دخل كنيسة وفجرها.. كيف يمكن التعرف علي ديانته؟! وبمناسبة الاشارة إلي وجود أسماء كثيرة مشتركة بين المسيحيين والمسلمين.. لماذا لا يطالب دعاة إلغاء الديانة من بطاقة الرقم القومي باعتبارها تمييزا. بإلغاء الاسماء التي تنفرد بها كل ديانة عن الأخري باعتبارها تمييزا ايضا. وجعل كل الاسماء مشتركة. فيطلق المسيحيون علي أبنائهم وبناتهم اسماء محمد واحمد وعلي وفاطمة وزينب مثلا. ويسمي المسلمون ابناءهم جرجس وصليب وعبد المسيح؟! سؤال أخير لدعاة إلغاء خانة الديانة: لماذا لا تقدموا لنا حالات تسبب فيها وجود هذه الخانة في تمييز سلبي ضد صاحبها ترتب عليه إهدار حق من حقوقه وتحويله مثلا من بريء إلي متهم بمجرد التعرف علي ديانته. حتي نقف جميعا ضد هذه الحالات ونتضامن معا لمنعها.