في مجموعته القصصية "كريشندو متتاليات الحزن المتصاعد" الصادرة عن المركز الأدبي للتنمية الثقافية باسيوط يفاجئك القاص علاء سيد عمر بمجموعة قصصية لا منتمية من حيث الشكل .. فرغم أن اللحظة هي المحرك للحدث.مما يجعلك لا تشك أنك أمام قصة قصيرة .غير أن الكاتب لا يعدم الحيل الفنية التي تجعله يوسع دائرة هذه اللحظة.. لتتسع لمساحة واسعة من الأحداث التي تعبر اللحظة المولدة عبر الأزمنة والأمكنة.. مما يحول القصة القصيرة إلي رواية مكثفة أو العكس. وربما يشرق هذا جليا في القصه رقم "12 " من المجموعة والمعنونة "هوامش ولقاء" حيث التقي فجأة في ميدان الثورة بحبيبة الشباب الأول في نفس اللحظه يستخدم الكاتب المنولوج الداخلي والفلاش باك ليستعرض قصة حب حقيقية أجهدها وغيّر مسارها مسار ثلا ثين سنة في اتجاه معاكس. وقد تكرر هذا التكنيك وبحيل مختلفة في أكثر من قصة "سراب""صدفة"ولم تفارق روائحه معظم الأعمال.. فالقصص قصيرة ..والمساحات التي تغطيها واسعة مما يعد لزمة جديرة بالدراسه لدي الكاتب.. علي كل حال لن أستطيع أن أقف كثيرا أمام هذه الملاحظة .. فالحق إن استفادة الفنون من بعضها البعض صار من علامات معظم الإبداع المعاصر..وكاتبنا يؤكد هذا التداخل الموظف بين الفنون.. فسنجده يستفيد من لغة الشعر في بعض القصص كقصة انكسار "أسألني يا أنا من أنت؟/ لا أعرف/ أبصق/ أراني علي وجه المرآة مصلوبا/ خيوط الدم المتصل بإكليل الشوك علي رأسي..ترسم علي وجهي مدائن لا تعرفني/ في الشوارع المزدحمة المتسعة تنكرني/ أضيع "....... وقد يستفيد من فن السيناريو السينمائي كما في حكاية "سالم أبو العجل"حيث الوصف الدقيق للشخصية والمكان والزمان والوقت ولغة الحوار.. المهم مع أن هذه ملاحظاتي.. لكني أخاف أن تشغلني عن الموضوع الحقيقي الذي يمثل الهم الإنساني للكاتب في المجموعة وهو "الموت" الذي يصير حاضرا باسمه وذاته وصفاته في كل قصص المجموعة.. في البداية قلت :هاجس لا يستطيع الكاتب أن يفلت من قبضته؟ لكن الكاتب نبهني بقوله"أي كابوس هذا ..أي مشاعر تلك التي تتأجج بداخلي.فتمزقني.أيعقل بيدي أطمره؟؟ ما أضألنا أمام حقيقة الحقائق؟؟"!! نعم .من منا يختلف مع الكاتب في هذا؟؟ من منا لا يحرك الموت بعوالمه الغيبية وحقائقه المرئيةمساحة عظيمة من أفكاره ومعتقداته وأفعاله؟؟ وهذا ما يظهر في هذه المجموعة جليا وربما هذا ما يفك شفرة العنوان "كريشندو متتاليات الحزن" فالموت يحدث دائما في حياة المبدع ويمكن رصد الموت في عدة أوجه منها "1" الموت الطاغية القادر... حيث يأخذ أباه و جدته ..سأخذأخته وأقرانه وزملاءه وأساتذته ..لم تنفع معه مقاومة ولم يغن عنه عمل.. فقصة الولوج التي افتتح بها الكاتب المجموعة.. والتي اقتنص فيها لحظة مراسم دفن والده.. تضعك مباشرة أمام حضور الموت وسطوته التي لا تسلب الميت فقط القدرة علي الفعل.. بل تتعدي إلي سلب الأحياءأيضا القدرة أمام الموت . وتسيطر صورة الموت الطاغية علي صور كثيرة في قصص كثيرة قصة "مرثية الجيادالراحلة" :"فقط اكتشفنا زيف اللعبة بعد كل هذا العمر /ولأول مرةألاحظ بأن تقوسا واضحا في ظهورهم /كأنهم بحاجة إلي عصا التوكؤ /تمتمت :وخيولكم -لم تعد تصهل -وحلمكم؟ -قتل..و في" الطين الثلجي" :"أحاول أن أنشرني فوق قطع الأخشاب الطافية...تجذبني دوامات الماءإلي أسفل..وحتي القاع حيث الطين الثلجي اللزج» فيصرعني." إن صورة الموت القادر تسيطر علي الكاتب في كل تصرفاته ..حتي في المشاعر المتداولة فيقصة "صدفة":""أدنوا من قرطها أهمس تري سيطلع فجر؟؟ أفيق..إذ بها ترتل آيات الرحيل ويصير هاجس الحقيقة. "2" الموت قاض وكاشف... حيث يضع الإنسان أمام نفسه في "خواء"هذه القصة القصيرة التي ترسم لاهثة ملحمة صباحية بين الكاتب ونفسه ليكتشف في النهاية أنه لا أحد معه يريد قتله وأنه بتذكر الموت صار قاضييايحاكم نفسه. "3" الموت الدافع للابداع والتقدم... الموت الطبيعي يدفع الانسان لمقاومته بالإبداع والعمل كما في قصة"مرثية الجياد" :"علي الدرب المعبد بالاشواك.. طين المطر الملحي.. طبع هنالك بعض سنابك لجياد راحلة صوب الشمس "... في قصة"رائحة الموت" يقاوم الموت بالميلاد""بعدما تداعينا أسري لنسيجه العنكبوتي .. لنسقط فريسة سهلة للفتنة و السأم..للفتور والألم ويتدارك الموت ويكسر رائحة الموت برائحة الحياة حين يسأل : أمال فين خالد وياسر؟؟ "4" الموت حين يموت داخل الإنسان... علي عكس ذلك يري الكاتب ان موت الموت نفسه داخل الإنسان مدمر للحياة ومفسد لها.. ففي هوامش ولقاء وتداعيات محمومة وكريشندو يموت الموت داخل الحاكم فيظن أنه خالد ويصير كل همه التشبث بكرسي السلطة.. حتي لو ماتت قلوب المجتمع وأحلامه من حوله.. يبدو هذا من التكنيك الرائع الذي استخدمه القاص متتبعا فترة حكم أحد الحكام التي كما يتضح من القص استمرت ثلاثين سنة..ولأنه نسي الموت.. ظل يبتكر كل فترة رئاسية مخرجا يخلده في الحكم في مقابل ألف طعنة لقلب كل مواطن وفي تداعيات محمومة يتساءل الكاتب "من الأكثر همجية من عبروا علي الكتب أم من عبروا علي الجثث؟" وهي صورة أخري من موت الموت في نفس الإنسان مما يجعل المقابل موت ضميره الإنساني.. وهنا نري الكاتب كأنه يشفق علينا فيجلي لنا فضائل الموت كما أظهر لنا طغيانه وسطوته وكأنه يردد مع المتنبي مواسيا ومتفلسفا قوله: سُبِقْنَا إلي الدّنْيَا فَلَوْ عاشَ أهْلُها مُنِعْنَا بهَا مِنْ جَيْئَةيوَذُهُوبِ تمَلّكَهَا الآتي تَمَلُّكَ سَالِبي وَفارَقَهَا المَاضِي فِراقَ سَليبِ فلا فَضْلَ فيها للشّجاعَةِ وَالنّدَي وَصَبْرِ الفَتي لَوْلا لِقاءُ شَعُوبِ وَأوْفَي حَيَاةِ الغَابِرِينَ لِصاحِبي حَياةُ امرِيءي خَانَتْهُ بَعدَ مَشيبِ.