الألبوم الأخضر ذو النقوش. تآكلت أطرافه وان ظلت الصور في داخله علي حالها. صور كثيرة تختلف احجامها. التقطت في رحلات إلي مدن في العالم: دمشق وبيروت ونواكشوط وطنطا ودسوق وباريس ومسقط والرياض وجدة وأبوظبي والدار البيضاء والعين وجزر الأوزوروس وبرلين والجزائر وتونس وسوهاج واسوان ودمنهور وديرب نجم والزقازيق.. الخ. أحب السفر إلي بلاد الله خلق الله. المشاهدة والتأمل والاكتشاف والدهشة واكتساب الصداقات. أوافق علي الفكرة حالا. لا الجأ إلي مفكرة مواعيد. ولا ان كنت مرتبطا بأحداث خاصة أو عامة. شرطي الوحيد ألا تطول فترة الرحلة عن أيام محددة. غايته أسبوع. إذا طالت المدة. فإن ذلك الشعور الغريب القاسي. المسمي "الحنين" يناوشك. يسيطر علي تفكيرك فتهمل الأشياء - مهما تكن جميلة - وتقصر اهتمامك علي سؤال وحيد: متي العودة؟ تنقلت بين المدن والمطارات - تمنيت أن تكون الموانيء البحرية من بين ما أتعرف إليه - والفنادق واللوكاندات الرخيصة ومحطات السكك الحديد والمقاهي والأندية والشوارع الواسعة والمتداخلة والأزقة المظلمة. أذكر فلوبير في حنينه إلي كل ما يتركه وراءه. في رحلاتي إلي مدينة ما داخل مصر وخارجها أحرص فلا أنام احتفظ بقدرتي علي الدهشة. أمضي الوقت في المشاهدة والتأمل والاكتشاف واختزان ما اجتره بعد العودة - هذا هو التعبير الذي يحضرني - في أعمال توظف بيئات مغايرة لا اكتفي بالمشاهدة العابرة: هذا شارع. هذه بناية أثرية. هذه دار للأوبرا. هذا ملعب.. الدهشة تعني التأمل والقاء الأسئلة ومحاولة تبين ما قد تغيب بواطنه عن الصورة الظاهرة. أعيد النظر إلي كل ما أراه. أدقق فيه. اختزن المعالم جيدا: التفصيلات والجزيئات والمنمنمات. وما أراه خصوصية للمكان. أودعه ذاكرتي. أعرف أني سأحاول اجتراره - ذات يوم - والكتابة عنه. أفيد منه في كتابات تغيب - لفترة تقصر أو تطول - تكويناتها الهلامية. أخشي أن يفوتني ما قد ينقص المشهد بغيابه. أو يضيف إليه تشوش الذاكرة ما لم يحدث أصلا. صور الحياة في المدن التي زرتها تبين عن قسماتها في الكثير من كتاباتي الابداعية. اللقطة الوامضة تصبح قواما لعمل أدبي. أضيف. وأحذف وأحور والجأ إلي الخيال بما يصنع حالة ابداعية. المدن مثل البشر. لها شخصية. أحب رؤية المدينة وهي تستيقظ. وهي تعمل. وهي تلعب وهي تتهيأ للنوم. أرفض - في زيارتي لبلد ما - ان أكتفي بدور السائح. في داخلي الباحث عن التجربة والخبرة والمغايرة وما يحض علي الكتابة الابداعية. البشر هم من يهمني رؤيتهم. الالتقاء بهم. الدخول في مناقشات وإلقاء أسئلة والتعرف إلي ما يبدو مجهولا. اصارحك أني أخشي السفر. أخشي الانتقال. لا أحب مغادرة المكان الذي أنست إليه. الأمر هنا يختلف عن رفض الانتقال من الأماكن التي تقعدني بالحنين: بحري. الاسكندرية. مكتبتي. الخ. تحل الخشية في داخلي بمجرد أن يتحدد موعد السفر "ربما أكون قد حفيت. لأسافر إلي هذا المؤتمر. أو لتلك الندوة. أو لأشاهد ذلك البلد الذي لم أره من قبل!". تداخلني راحة للتأجيل. أو الإلغاء. أخفي مشاعري عن القريبين. يعلمون أني دافعت عما تصورته حقا لي في السفر.