شهدت الأيام الماضية عدة تصريحات من العديد من أعضاء مجلس النواب بعضها يطالب بإقالة وزير التربية والتعليم بعد أحداث تسرب الامتحانات والغش الجماعي.. وأخري تطالب بإقالة وزير الصحة بسبب سوء الخدمات وانتشار الفساد.. وجاء الدور علي د.حسين عيسي رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب ليقول ان اللجنة لا تملك تمرير موازنة بها عوار دستوري بعد ما رفضت الحكومة الالتزام بالنسب المخصصة في الدستور وقيمتها 10% من الموازنة العامة للدولة مقسمة علي النحو التالي 3% للصحة و4% للتعليم و2% للتعليم العالي و1% للبحث العلمي.. ماذا يحدث وأين الحقيقة وماذا يمكن أن يحدث؟.. الاجابات ستجدها في هذا الحوار الخطير والهام الذي يتضمن مفاجآت خطيرة يكشف عنها د.صلاح فوزي عضو اللجنة العليا للإصلاح التشريعي وأحد أعضاء لجنة الخبراء "لجنة العشرة" التي وضعت دستور ..2014 فإلي نص الحوار: * في البداية ما تعليقكم علي مطالبات العديد من أعضاء مجلس النواب بإقالة د.الهلالي الشربيني وزير التربية والتعليم بسبب تسرب الامتحانات والغش في امتحانات الثانوية العامة.. ود.أحمد عماد وزير الصحة بسبب سوء الخدمات وانتشار الفساد؟! ** بكل أمانة وصراحة فإنني لا أستطيع ان أتفهم تلك التصريحات التي تخرج من بعض أعضاء مجلس النواب وتطالب باقالة هذا الوزير أو ذاك.. لأنه وبكل بساطة لا يوجد ما يسمي في الدستور بهذا المطلب.. فمجلس النواب هو السلطة التشريعية في الدولة التي تمارس الرقابة علي أعمال السلطة التنفيذية والمادة 201 في الدستور تعطي البرلمان السلطة والاختصاص الدستوري ان يمارس الرقابة علي السلطة التنفيذية علي النحو المبين في الدستور.. وإذا انتقلنا إلي النحو المبين لا نجد فيه مطالب باقالة هذا الوزير أو ذاك بل نجد ان الدستور وضع ضوابط لكيفية مساءلة الحكومة والوزراء وهذه الضوابط جاءت في المادة 131 التي نظمت كيفية سحب الثقة من رئيس الوزراء أو نوابه أو الوزراء بأن يتم هذا الأمر عن طريق تقديم استجواب أولا أي لا يمكن بحال من الأحوال سحب الثقة إلا بعد الاستجواب.. والمادة 130 حددت ونظمت تقديم الاستجواب مكتوبا لرئيس المجلس وان يناقش بعد 7 أيام من تاريخ التقديم بحد أقصي 60 يوما إلا في حالة الضرورة والاستعجال التي يقدرها مجلس النواب ولابد ان توافق الحكومة علي حالة الضرورة والاستعجال أو تقديم وتقصير المدة فهذا ليس سلطة مطلقة للبرلمان.. الاستجواب وسيلة من وسائل الرقابة الهامة يمارسها البرلمان في مواجهة السلطة التنفيذية وبالتالي الدستور نص علي مدة ال7 أيام حتي تستطيع الحكومة تجهيز الرد لذلك من ضوابط طلب الاستجواب ان يقدم كتابه لرئيس المجلس ويبين فيه موضوع الاستجواب ويقدم مذكرة شارحة للأمور والوقائع والنقاط الرئيسية التي يتناولها والأسباب التي يستند إليها مقدم الاستجواب والمخالفة التي يراها وأسانيدها.. وفي هذه الحالة يدرج الاستجواب في أول جلسة تالية لتقديمه إذا كان مستوفي لتحديد ميعاد لمناقشته بعد سماع الحكومة.. وفي حالة الخروج عن المواعيد سواء قبل أسبوع أو بعد 60 يوما لابد من موافقة الحكومة.. والأولوية في الكلام لمقدم الاستجواب.. والاستجواب له أسبقية علي المواد المدرجة بجدول الأعمال بعد طلبات الاطاحة والأسئلة.. ومقدم الاستجواب يشرح استجوابه ويعلق عليه الوزير ثم تجري المناقشة ومن حق المستجوب أن يرد علي الوزير وله الأولوية في ذلك كما يحدث لأي عضو ان يطلب ممن وجه إليه الاستجواب أي بيانات لاستجلاء الحقيقة وتقدم لرئيس المجلس أثناء مناقشة الاستجواب كل الاقتراحات المتعلقة به.. وإذا رأي المجلس الموافقة علي اقتراح سحب الثقة فيجب ان يكون مشفوعا هذا الاقتراح بموافقة "عُشر" الأعضاء أي 60 نائبا علي الأقل إذا تم عرضه علي المجلس فإن سحب الثقة يحتاج إلي موافقة أغلبية الأغضاء أي ما يزيد علي النصف "حوالي 300 عضو".. وطلب سحب الثقة بعرض علي المجلس بعدا لمناقشة والاستجواب ويؤذن بالكلام لاثنين من مقدمي الاقتراح وتجري المناقشة وإذا قال المجلس انه يعرض الاقتراح للتصويت في هذه الحالة يجب ان يتم التصويت نداء بالاسم.. وهناك نقطة هامة غائبة عن البعض وهي انه إذا أعلنت الحكومة تضامنها مع الوزير قبل التصويت علي سحب الثقة منه فانه في حالة موافقة مجلس النواب علي سحب الثقة من الوزير فإن هذا يعد اقرارا بسحب الثقة من الحكومة التي وجب عليها تقديم استقالتها أما إذا لم تعلن الحكومة تضامنها مع الوزير فعليه ان يقدم استقالته.. هذه هي الإجراءات المنصوص عليها في الدستور.. لا يوجد شيء اسمه إقالة.. إنما سحب ثقة.. وقد يفهم البعض ان المقصود من كلام النواب انهم يلتمسون من الرئيس استخدام سلطاته الدستورية المنصوص عليها في المادة 147 من الدستور التي تعطيه الحق في إجراء تعديل وزاري بعد التشاور مع رئيس الوزراء وبموافقة أغلبية مجلس النواب ولكن هذا موضوع آخر.. لذا يجب علي أعضاء النواب التمعن والتدقيق. * وماذا عن تأكيد د.حسين عيسي رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب عن رفضه تمرير الموازنة العامة لأن بها عوارا دستوريا حيث لم تقر تخصيص ال10% المنصوص عليها في الدستور للصحة والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي؟! ** أمانة الحديث تقتضي ان نقول أولا ما هو الناتج القومي الاجمالي الذي هو مقياس لحجم الإنتاج الاقتصادي من السلع والخدمات من موارد مملوكة لسكان الدولة في فترة زمنية محددة حتي وان كان هذا الإنتاج يتم خارج الدولة.. وهناك أيضا ما يسمي بالناتج القومي المحلي الذي هو عبارة عن ما ينتج داخل الدولة بغض النظر عن جنسية المنتج مصري أو غير.. ومفاد الكلام ان الناتج الاجمالي مبلغ مهول جدا وهناك صعوبة تصل إلي حدود الاستحالة في تحديد الناتج القومي الاجمالي رقما دقيقا صحيحا.. أمام هذا يتم تحديده بشكل تقريبي وفي حالتنا نقول ان تقريبا 4.3 تريليون جنيه وإذا وافقنا لجنة الخطة والموازنة وبافتراض ان هذا الرقم حقيقي فانه يجب تخصيص حوالي 340 مليار جنيه للصحة والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي أي حوالي نصف الموازنة العامة للدولة فماذا سيبقي للدعم وهو التزام اجتماعي للدولة والأجور والديون والاستثمارات والقوات المسلحة والشرطة والهيئات القضائية؟.. انه أمر غير منطقي ومستحيل التطبيق. * عفوا ولكن لماذا تم النص علي تلك الأرقام في الدستور طالما انها مستحيلة التطبيق خاصة وانك كنت أحد أعضاء لجنة العشرة...؟! ** أجيبك عن هذا السؤال وسأكشف عن مفاجأة كبري وهي انني أثرت هذه الأمور وهي مسجلة في مضابط لجنة العشرة وكنت أميل إلي عدم تخصيص أرقام في الدساتير ولكن للأسف الشديد لجنة الخمسين رفضت الأخذ بهذا الرأي وأصرت علي أن يتضمن الدستور بعض النصوص الحالمة الجميلة التي تسبح في الفضاء وفي غاية المثالية إلا انها علي أرض الواقع لن تري التطبيق مثل اصرارها علي وضع تلك الأرقام "10%" علاوة علي مادة سن الطفل وغيرها.. لقد قلت وهذا مسجل في المضابط الرسمية الدساتير لا تذكر الأرقام.. ارجعوا إلي المضابط ستجدون لجنة الخبراء "لجنة العشرة" كتبت الكلام بهذه الطريقة: المادة 17 تلتزم الدولة بتوفير الرعاية الصحية لكل مواطن وتخصيص نسبة كافية لها من الموازنة العامة للدولة. ولو انتقلنا للتعليم ستجد المادة 18 الفقرة الثانية تقول: "تشرف الدولة علي التعليم بكل أنواعه وتلتزم بتخصيص نسبة كافية له من الموازنة العامة للدولة".. أما المادة 19 فتتحدث عن البحث العلمي وتقول: "الجامعات والمجامع العلمية واللغوية ومراكز البحث العلمي المثقة وتخصص لها نسبة كافية من الموازنة العامة للدولة". هذا هو المسجل في المضابط ودافعنا عن رأينا هذا وقلناه ولكن لجنة الخمسين رفضت وأصرت علي وضع الأرقام بهذا الشكل المستحيل التطبيق وللعلم فإن لجنة الخبراء "لجنة العشرة" ليس لها صوت ولا يحق لأعضائها التصويت علي مشروع الدستور فجاء بهذا الشكل الذي يعد مأزقا للجميع. * وكيف يمكن الخروج من هذا المأزق وهل يمكن اقرار الموازنة بهذه الأرقام القليلة المقدمة من الحكومة وبما يشكل عواراً دستوريا كما قال رئيس لجنة الخطة والموازنة؟! وماذا إذا رفض البرلمان الموازنة؟! ** أولا لا يوجد عوار دستوري إذا تم اقرار الموازنة بالأرقام المقدمة من الحكومة التي تقل عن الأرقام المنصوص عليها في الدستور لأن الرقابة علي دستورية القوانين واللوائح تشترط وتفترض سلفا وجود قانون أو لائحة وان أحد مواد القانون أو اللائحة خالف نصا دستوريا.. والأمر في الموازنة مختلف لاننا عملنا موازنة لم تتضمن ال10% من الناتج القومي الاجمالي وهذا لا يخضع للرقابة علي دستورية القوانين.. وهناك مفهوم آخر في الرقابة مفاده دستورية الاغفال التشريعي ويقصد به ان المشرع لا يطبق نصا دستوريا في شكل قانوني أي أغفل اصدار القانون مثلما نص الدستور علي الزام البرلمان بإصدار قانوني العدالة الانتقالية وبناء الكنائس في أول دور انعقاد.. لو رفعت قضية أمام الدستورية لعدم قيام البرلمان بإصدار القانونين سيكون مصيرها الرفض.. عدم الاختصاص.. لأن البرلمان هنا أغفل اصدار القانون.. والمحكمة الدستورية العليا لا تراقب دستورية الاغفال التشريعي.. ستظل نسبة ال10% من الناتج القومي التزامات لها القيمة الأدبية فقط ولا توجد وسيلة قضائية تجبر البرلمان والحكومة علي الالتزام بها.. وللعلم أيضا فإن البرلمان لا يملك رفض الموازنة العامة لانها أصبحت التزاما مشتركا بين الحكومة والبرلمان فإذا أراد ان يعدل في الميزانية فهناك ضوابط معينة في مقدمتها ان يدبر موارد وإيرادات لا يترتب عليها تحميل المواطن أي زيادة في الأعباء