عاصرت عملية تسخين المنطقة للحرب قبل 67.. وعشت المعركة بحذافيرها.. تجرعت مرارة الهزيمة.. تظاهرت مع من تظاهروا واعتصمت مع من اعتصموا وصرخت مع من صرخوا مطالبين بتحرير الأرض.. تابعت إعادة بناء قواتنا المسلحة ثم حربي الاستنزاف و6 أكتوبر 73 فذقت حلاوة النصر.. كما تفاعلت مع مبادرة السلام وصارعت ما بداخلي من شك في جدواها ورفض لبعض محتواها ويقين بأنها أفضل الحلول لكي نعيش في أمن ونبني بلدنا دون خوف.. وها نحن نجني الثمار رغم المؤامرات التي تحاك لاسقاطنا. عندما أجلس واسترجع شريط الذكريات واتوقف الآن أمام الواقع علي الأرض.. لم أتصور لحظة واحدة أن ما كنت أرفضه مثلا في محتوي معاهدة السلام خاصة أن تكون المنطقة "ج" منزوعة السلاح لم يعد له وجود فعليا.. فكل أنواع الأسلحة الثقيلة والنوعية موجودة بالمنطقة وموجهة للإرهاب الأسود رغم أن الاتفاقية تمنع ذلك لسبب بسيط هو ان إسرائيل أصبحت علي قناعة باننا دولة تحترم اتفاقياتها ومعاهداتها وكلمتها وبالتالي أصبح البروتوكول العسكري مجرد حبر علي ورق. أنها خلاصة نصف قرن تمثل ثلاثة أرباع عمري لم تكن المقدمات فيها تؤدي للنتائج التي نراها أو تقنع أحدا بها في ذلك الحين.. لكنها الإرادة التي تحقق المستحيل. كل ما ذكرته في السطور السابقة تحدث عنه الرئيس السيسي أمس بأسيوط بعد افتتاحه عددا من المشروعات.. قال كلاما مقتضبا وفي غاية الأهمية عن القضية الفلسطينية مس أوتار قلبي لأني عشته لحظة بلحظة وان كان مع قضيتنا نحن. الرئيس السيسي وهو يتحدث عن القضية الفلسطينية ضرب المثل بقضية ضياع أرضنا ثم تحرير سيناء.. وذكر علي سبيل الاستدلال كل ما قلته آنفا بمنتهي الصدق والموضوعية.. وأكد أن السلام الذي كان يتشكك فيه الكثيرون تحول إلي يقين في صورة أمن واستقرار للبلدين. من هذا المنطلق.. دعا الرئيس السيسي الفلسطينيين إلي توحيد فصائلهم من أجل هدف واحد هو اقامة دولتهم المستقلة.. كما دعا القيادة الإسرائيلية إلي حل القضية علي أساس "الدولتين".. أكد انه والقادة العرب يضمنون انضباط الدولة الفلسطينية الجديدة.. وشدد علي أنه بمرور الأيام والسنين سيترسخ السلام والأمن والاستقرار بين الجميع ويتواري الشك والريبة والقلق والخوف مثلما حدث بين مصر وإسرائيل. أتوقع أن يتلو كلام الرئيس السيسي خطوة ايجابية جبارة.. فقد قفزت إلي ذهني وأنا استمع اليه العبارة التي اطلقها الشهيد الرئيس السادات في مجلس الشعب حين قال: "أنا مستعد أن اذهب إلي آخر الدنيا.. مستعد أن أذهب إلي بيتهم.. إلي الكنيست الإسرائيلي".. ثم كان ما كان من توجيه الدعوة له وذهابه إلي هناك فعلا ومواجهتهم بالحقائق في عقر دارهم. بدون أي سيناريوهات محددة.. أتوقع إحياء المبادرة العربية التي المح إليها الرئيس السيسي لتكون منطلقا لسلام فلسطيني إسرائيلي يبني عليه.. واتوقع أن تدخل مع مصر في ذلك دول عربية مثل السعودية والإمارات وباقي دول الخليج العربية والأردن والمغرب وربما الجزائر وتونس ايضا ليكونوا ضامنين ويتحول السلام الثنائي الفلسطيني الإسرائيلي إلي سلام شامل تحتاجه المنطقة الآن أكثر من أي وقت آخر.. اتوقع عملا كبيرا خلال الأشهر القليلة القادمة.. كيف؟؟.. لا أدري بالقطع.. هي مجرد توقعات تحتاج إلي إرادة فلسطينية إسرائيلية لكي تتحول إلي واقع سيغير شكل المنطقة التي تتفجر الآن تفجيرا إلي الأفضل. إحساسي يهتف "ما اشبه اليوم بالبارحة" وان اختلفت طرق المعالجة.. قد نتفق.. قد نختلف.. فدعونا ننظر ونتابع ونترقب.. "والله غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".