الأزمة السورية لن تنتهي إلا بحل سياسي تشارك فيه وتتوافق عليه كل أطياف الشعب السوري. والأزمة الليبية لن تنتهي إلا بحل سياسي تشارك فيه وتتوافق عليه كل أطياف الشعب الليبي. والأزمة اليمنية لن تنتهي إلا بحل سياسي تشارك فيه وتتوافق عليه كل أطياف الشعب اليمني. حسنا.. لقد سمعنا ذلك كثيرا ومازلنا نسمعه.. ونحن بالفعل مقتنعون به.. لكن السؤال: هل هناك شعب عربي قادر علي التوصل إلي حل سياسي لمشاكله.. حل سلمي تشارك فيه كل الأطياف المختلفة سياسيا وأيديولوجيا وعرقيا ودينيا ومذهبيا؟!.. هل في تركيبتنا العربية ما يسمح لنا بالعمل معا كفريق غير متجانس ولكن تحكمه المصلحة المشتركة وإعلاء قيمة الوطن؟! لو كان لدينا هذا الفهم لما وصل بنا الحال إلي ما نحن فيه اليوم من حروب أهلية وخراب للأوطان وإنعدام للرؤية حتي صارت أراضينا مستباحة للعدو قبل الصديق.. العالم كله عرف كيف يحل مشاكله بالتوافق والحلول الوسطي وتقديم تنازلات متبادلة إلا بلداننا التي مازالت تعاني من الأحادية الوطنية.. إما أنا أو أنت.. وكل فصيل لابد أن يقصي الفصيل الآخر.. والشرعية لا تكون إلا للأقوي.. والحرية كل الحرية للشعب ولا حرية لأعداء الشعب.. وأعداء الشعب هم الآخرون.. المعارضون غالبا.. الذين سوف يصبحون في مرحلة تاليه إرهابيين يحملون السلاح. أوطاننا مهددة بالتقسيم.. وأمننا القومي مستباح.. والأمم تتداعي علينا وتتسابق وتتكالب كما تتداعي الأكلة إلي قصعتها.. وكل فريق عندنا متمرس في خندقه.. لا يمد يده للفريق الآخر... ولا يعرف كيف يبدأ حوارا للحل.. لدينا شخصيات رائعة.. تقول كلاما رائعا.. ولكن عندما يتعلق الأمر بالعمل والتوافق والبحث عن حل يتحول الجميع إلي إقصائيين متوحشين .. إما أنا أو أنت.. لا منطقة وسطي نلتقي عندها. هناك جهود جبارة بذلت في مدينة الصخيرات بالمغرب لحل مشكلة ليبيا.. وتم التوصل إلي اتفاق برعاية ممثل للأمم المتحدة.. وعند التطبيق اختلف الفرقاء من جديد .. وتداخلت أطراف خارجية لإفساد ما تم الاتفاق عليه حتي تعود الأمور إلي نقطة الصفر.. وتشتعل الحرب من جديد في كل مكان. وهناك جهود جبارة مازالت تبذل في جنيف للتوصل إلي حل بين المتحاربين في سوريا.. وجهود مماثلة لحل المشكلة اليمنية بوساطة من الأممالمتحدة.. لكن الأفق مازال نائما.. ولا أمل في التوصل إلي اتفاق ولو لوقف القتال وتبادل الأسري وتوصيل المعونات إلي المناطق المخربة والمنكوبة والمحاصرة. أي بلاء تمر به هذه الأمة؟! لقد أعطت تونس نموذجا جيدا للتوافق والوساطة والمصالحة الوطنية.. وحصلت من وراء ذلك علي جائزة نوبل للسلام التي كانت من نصيب التنيمات الشعبية الأربعة الكبري التي قادت الوساطة بين الأطراف المتنافسة سياسيا.. وتوصلت إلي اتفاق مشاركة مازال غائماً حتي اليوم رغم الأزمات التي مرت بالشعب التونسي.. وأهمها العمليات الإرهابية القذرة التي تهر بين الحين والآخر. وكان الأمل أن يأخذنا الربيع العربي إلي ديمقراطيات حقيقية تتسع لمشاركة فاعلة من كل الاتجاهات السياسية وتعددية تدعم قوي المجتمع وتداول للسلطة ينهي مرحلة الصوت الواحد والحزب الواحد.. لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن.. وانتهي الربيع إلي خريف عاصف مغبر.. انقلبت فيه كل الأوضاع رأسا علي عقب وتحولت الأحلام الجميلة إلي كوابيس مزعجة. وسوف تستمر الحروب الأهلية إلي ما شاء الله... ولن تتوقف إلا عندما نصل من جديد إلي قناعة عامة وحقيقية بأن الأزمات الطاحنة لن تنتهي إلا بحلول سياسية تشارك فيها وتتوافق عليها كل الأطياف. تري.. كم سندفع من أرواحنا وعدم استقرارنا حتي نصل إلي هذه اللحة؟.. أرجوا ألا يكون الوقت قد فات.