هل المطلوب أن نظل ندور في دوامة المرحلة الانتقالية التي وصفها البعض بالانتقامية إلي مالانهاية ويتوقف كل شيء في البلد حتي تتوافق كل القوي، لقد نفد صبر المصريين مما يحدث وإذا طالعت الوجوه ورأيت محاور أحاديثهم تري قدرا كبيرا من الإحباط واليأس، لأننا ومع اقتراب الذكري الثانية لثورة 25 يناير يتمني كل مواطن محب لبلده أن تنتهي هذه المرحلة التي عانينا منها جميعا، خلافات لا تهدأ وتتحول لصراعات وصدامات وحالة غير مسبوقة من الاستقطاب والسيولة لم تشهدها مصر من قبل علي الشاشات وفي المؤتمرات والشوارع والميادين، معارضة ليس لها سقف أو حدود أو محاولة لأي فرصة لوجود أرضية مشتركة نصل بها لتوافق يحمي الوطن من الأخطار المحيطة به، الاقتصاد في وضعية لايحسد عليها، الفوضي في السلوكيات أصبحت قاعدة، دوامة جعلت المصريين يصابون بحالة أشبه بالدوار من جراء الأحداث والصراعات التي لم تتوقف أو تهدأ يوما! مشروع الدستور الجديد ليس كتابا منزلا من عند الله، وإنما هو نصوص وضعها البشر بما فيهم من نقصان، فالكمال لله وحده، وقد بذل فيه مجهود أشبه بالأشغال الشاقة قرابة ستة أشهر وواجهت جمعيته التأسيسية الدعاوي القضائية إلي لاحقتها، وشاركت في أعمالها كافة القوي السياسية الممثلة لاطياف المجتمع، ولكن مع اقتراب اللمسات الأخيرة لخروج مشروع الدستور للنور بدأ العديد ممن يمثلون التيار المدني بالانسحاب من الجمعية في محاولة لإسقاطها وعلي طريقة هدم المعبد فوق الرؤوس، رغم أن تلك القوي (بشهادة د.أيمن نور) شاركت في 90٪ من المواد التي طرحت علي طاولة الحوار في لجان الجمعية وجلساتها العامة، الأمر الذي يشير إلي أن هذه القوي قررت تعطيل المسار احتجاجا منها علي الإعلان الدستوري الجديد الذي أقيل فيه النائب العام وإعادة المحاكمات في الجرائم التي ارتكبت خلال الثورة شرط ظهور أدلة جديدة، وحصن الجمعية ومجلس الشوري من الطعن عليهما، وبدأت في عملية حشد في الميادين لإسقاطه، الخلاف إذن لم يكن حول مواد الدستور ومدي تحقيقها للعدالة والحرية ودولة المؤسسات والقانون بقدر ما كان سياسيا وأيدولوجيا بالدرجة الأولي، فالمواد محل الخلاف بين التيارين المدني والإسلامي نوقشت باستفاضة وتم التوافق عليها وألغيت بعض المواد التي لم يتم التوصل لاتفاق حولها. ومع تضارب الحشود علي الجانبين بدأ ظهور نغمة انقسام الوطن وتفتيته، رغم أن الانقسام سياسي بالدرجة الأولي وهو متعارف عليه في التجارب الديمقراطية، ففي أمريكا ينقسم الأمريكيون في توجهاتهم إلي جمهوريين وديمقراطيين ولم يقل أحد بانقسام الأمة الأمريكية، وفي الكثير من البلدان تتوزع توجهات الشعوب بين يمين ويسار، لكننا ونحن مازلنا في بواكير الممارسة الديمقراطية التي لم نعرفها طوال ستة عقود نصل في خلافاتنا لنقطة الغليان في مساحة زمنية قصيرة دون أن نتيح للحوار والخلاف أن يتفاعل في مناخ صحي وبدون أن نشهر السلاح في وجه بعضنا البعض أو نخلق حالة من العداء والكراهية فيما بيننا ويحشد كل منا أنصاره للصدام بالآخر!! وأقول لقوي المعارضة إن للشعب كلمته التي سيقولها في الاستفتاء علي مشروع الدستور ربما بالقبول أو الرفض، وفي حالة موافقة الشعب فعليهم أن يستعدوا لمعركة الانتخابات القادمة والسعي لكسب الشارع والحصول علي نسبة أكبر من التمثيل ووجود فاعل ومؤثر في البرلمان القادم وربما الأغلبية، وساعتها سنشهد تجربة ديمقراطية علي نمط الديمقراطيات العريقة التي ينتمي فيها الرئيس لحزب وتشكل المعارضة الغالبية، مما يتيح لها أن تشارك بفعالية في الحكومة والبرلمان، وربما تتيح لها غالبيتها أن تطرح تعديلات علي نصوص الدستور، كل الخيارات مفتوحة أمام كل القوي السياسية شريطة أن تكون ممارساتها وفقا للقواعد الديمقراطية واحترام إرادة الشعب وخياراته. الدستور ليس نهاية المطاف وإنما بداية المشوار نحو ديمقراطية حقيقية، لو تحققت فإن النصوص الحالية قابلة للتعديل وربما الدستور نفسه، لأنه ليس نصوصا مطلقة أو مقدسة أو غير قابلة للتغيير أو التعديل في المستقبل القريب أو البعيد، لكن المهم أن تمضي المسيرة ونطوي تلك الصفحات المريرة من تاريخنا المسماة بالفترة الانتقالية لتدور عجلة الإنتاج والتنمية من جديد ونستعيد مكانة مصر الغائبة منذ عقود طويلة من التراجع في كل شيء والتبعية والاستبداد. هل المطلوب أن يتم الوقوف في طريق أن يقول الشعب كلمته لأن بعض القوي ترفض وجود رئيس من التيار الإسلامي في الحكم، وأن كل مايصدره من قرارات لابد من التصدي لها سياسيا وإعلاميا وقضائيا وبأسوأ الطرق والوسائل، وأن يدخل علي الخط الكثير من رموز النظام السابق علانية أو من وراء الستار وإلي درجة التهديد بالزحف لقصر الاتحادية لحصاره، ولماذا وصل الانفلات الإعلامي إلي مثل هذه الدرجة التي لم يبلغها من قبل وكذلك موجة العنف في المظاهرات والاعتصامات التي سادها قدر كبير من لغة خطاب مضلل حاولت الربط بين أول رئيس منتخب وبين الرئيس السابق، وكذلك نفس الشعارات التي رفعت خلال أيام الثورة! المعارضة تخسر أرضية واسعة إذا ظلت تمارس طريقة التصيد والتربص بالرئاسة دون أن تقدم رؤاها وبرامجها، ودون قواعد شعبية حقيقية خاصة عندما يصدر من بعض شخوصها دعوات للانقلاب علي الرئيس أو تحريض الجيش أو الاستقواء بالخارج، لسنا في ساحة حرب ولسنا إخوة أعداء كما يصور البعض، ولامجال أمامنا سوي الحوار للوصول لتوافق ولو عند الحدود الدنيا، أما رغبة البعض في القفز إلي الحكم عبر نشر الفوضي فنحن شعب لايميل للعنف، وثورته كانت بيضاء خضبتها دماء الشهداء، من المهم أن نمضي معا لعبور تلك المنحنيات الخطيرة ولينس البعض ذاته من أجل مصر.