أثارت قضية ازدراء الأديان جدلا واسعا في الفترة الأخيرة علي الساحتين الدينية والثقافية فالبعض يري أنه يجب إلغاء قانون ازدراء الأديان علي اعتبار أن باب الاجتهاد مفتوح وحرية الفكر مكفولة بحكم الدستور.. بينما يري البعض الآخر أن إلغاء هذا القانون سيفتح الباب علي مصراعيه أمام كل من هب ودب ليدلي بدلوه في قضايا دينية ليس متخصصا فيها حتي لو تعرض للثوابت. "المساء الديني" ناقش هذه القضية مع زوار معرض الكتاب وكانت هذه آراءهم: قال د.عبدالمقصود باشا رئيس قسم التاريخ و الحضارة بجامعة الأزهر: نحن بلد الأزهر نحترم جميع الأديان سماوية كانت أو وضعية لأن ديننا أمرنا بذلك حيث قال تعالي في القرآن الكريم "لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك" وقال في موضع آخر "لكم دينكم ولي دين" ومن هنا يحرص الأزهر علي تطبيق شرع الله.. فازدراء الأديان محرم تماما ونحن ننظر إلي الأديان الأخري وأصحابها بكل احترام وتقدير وقد قال تعالي "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي" ولم يقل "يا أيها المسلمون" بل خاطب الناس كلهم وانتهت الآية بقوله جل شأنه "إن أكرمكم عند الله أتقاكم".. وبالتالي فازدراء دين من الأديان سواء من بعض أتباعه أو المتمردين عليه بدعوي الإصلاح أو أية دعاوي أخري أمر نرفضه تماما ولأننا في بلاد الشرق لا تزال كثيرمن العقليات متخلفة تزدري مباديء دين معين بدعوي التجديد أو الانفتاح أو أي دعاوي أخري وهذا لون من ألوان التخلف الفكري والعقلي والثقافي إذ إن التجديد في الفكر لايكون من خلال فرد يشطح بفكرة هنا أو هناك ثم يزين له خياله المريض وجهله الفاضح أنه مجدد هذا عواء بل قمة العواء إنما التجديد لا يكون إلا من خلال مجامع فقهية وعلمية متخصصة ومن هنا فإن ازدراء دين من الأديان سواء من بعض أهله أو من أتباع ديانات أخري أمر نرفضه قطعيا. أمة التهم أوضح د.عبدالفتاح إدريس أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر أن أمة التهم التي يلقي بها جزافا في أيامنا هذه هي ازدراء الأديان حيث إنه لا يوجد في القوانين المسنونة إلا مادة تجرم من يخوض في أمور الدين تتعلق بازدراء الأديان.. فالذي ينتقد رأي أبوحنيفة في عرف الدين يحكمون عليه بأنه يزدري الأديان وكأن أبوحنيفة هو الدين.. والذين يشككون في البخاري ومسلم وكتب السنة مع أن 99.9% مما ورد من أحاديث في الصحيحين مظنون ثبوتها لرسول الله صلي الله عليه وسلم تكون التهمة التي تلصق بمن يشكك في هذه الأحاديث والتي يحال بسببها للقضاء ويحكم عليه بالحبس أو الإعدام أنه يزدري الدين وكأن البخاري ومسلم هما الدين وكذلك من ينتقد أمرا هو محل خلاف بين العلماء يفاجأ بأنه متهم بازدراء الاديان. نصرنا والقطار يسير علي الفضيلة وكل شيء يتعلق بالدين يعد له ويحاكم صاحبه من هذا المنطلق وتوقد النار عليه ويصلي بها ولاتخمد هذه النار ولا تهدأ جذوتها إلا بعد أن ينال العقاب علي تهمة ازدراء الأديان. أضاف أنه إذا تم سن قانون في مجلس النواب ليصف الجريمة بأنها ازدراء الدين فإن الطبالين والزمارين سوف يهللون فرحا بهذا القانون وليس العيب في هؤلاء الذين يشككون في بعض أمور الدين وإنما العيب في هؤلاء المغيبين الذين يجرمون كل أحد يتحدث في أمور الدين بأنه يزدريه.. والازدراء بالمعني اللغوي الذي يتبادر إلي الذهن هو الاحتقار ولا يوجد في مصر أو غيرها من يحتقر أي دين من الأديان حتي ولو كان إنسانا علمانيا أو لا دين له.. فمحاسبة الناس الذين يخوضون في أمور الدين بتهمة ازدراء الأديان خطأ وسبة في جبين هذا المجتمع الذي لا يطور القوانين التي يطبقها علي الواقع.. قوانين مر علي سنها أكثر من قرن من الزمان ولم تتغير أو تتحدث أو يطرأ عليها زيادة أو نقصان..ولا يوجد في مصر من يزدري الدين الإسلامي أوالمسيحي أو اليهودي بل الكل يحترم الديانات السماوية وأصحابها.. وفكرة ازدراء الأديان لا وجود لها إلا في أذهان الذين يثيرونها وليس لها واقع في نسيج المجتمع. يقول الأكاديمي والمخرج د.عيد عبداللطيف إن هناك قاعدة يمكن الاتفاق عليها أو رفضها أو مناقشتها وهي أن لكل عقيدة أصولا ورواسخ لا يمكن بأي حال من الأحوال التشكيك في أمرها أوالخوض فيها أما ما دون ذلك فلابد دائما وأبدا وهذا أمر إلهي من إعمال العقل نتدبر ونعتبر ونصل إلي الأمر بأنفسنا حتي أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال "استفت قلبك" في بعض الأمور واتباع الأوامر الإلهية لإعمال العقل من باب الاجتهاد المفتوح أما فيما يخص الموجة الاعلامية والتناحر والتقاتل علي مذهب هنا أو عقيدة هناك فهذا أمر قد نهي الدين الإسلامي نفسه عنه حتي في قوله تعالي "لكم دينكم ولي دين" هو أمر إلهي باحترام عقيدة الاخر واحترام الاختلافات..وإذا كان إصرار فريق علي الآخر بأنه علي حق والآخر علي باطل فهذا أمر نسبي ولا يمكن بأي حال من الأحوال حسمه لصالح أحدهما وتبقي القاعدة الوحيدة الباقية هي الاحترام والقبول بالاختلاف. هجمة علي الإسلام وتوافقه الرأي الكاتبة الجزائرية د.ليلي بيران وتؤكد علي أن الهجمة علي الإسلام تحديدا والأديان عموما ليست جديدة وأن مواقع التواصل الاجتماعي تثير الموضوع بشكل غير جيد وتحقر من شأن العلماء حتي في هوليوود هناك استخفاف برجال الدين وطقوس المسيحية. أضافت أنه من الممكن أن يكون الازدراء أيضا من رجال الدين أنفسهم من خلال تصرفاتهم التي لا تتفق مع أقوالهم ومن الممكن أن يكون وراء هذه الهجمة ناس لهم هدف خبيث يريدون من ورائه فصل الدين عن الدولة رغم أن الدين الحقيقي هو الذي يبني المدينة الفاضلة. أحمد شلبي المستشار الاعلامي بوزارة الثقافة الاماراتية يؤكد علي أن الأديان سواء كانت سماوية أو وضعية جميعها تحث علي مكارم الأخلاق ومن هذا المنطلق لابد أن نحترمها كونها شرائع وأيضا لكونها تخص كرامة الانسان في المجمل.. أما الخلافات الجزئية بين الأديان فتتعلق دائما بالمسائل الفرعية وإذا ما استثنينا هذا الفرع نجد أنها تصب في معين واحد هو احترام الإنسان ودوره في إعمار الحياة. قال إذا عدنا إلي الإسلام فعندما أراد النبي صلي الله عليه وسلم أن يلخص دوره في هذا الدين لم يزد عن كلمات أربع هي "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وأعتقد أن الصراع الذي يراد له أن يحتدم بين أتباع الديانات المختلفة إنما تحيط به ظلال السياسة والمصالح الضيقة للبعض وإذا ما سمح لها أن تؤثر فإنها لن تضر الأديان في ذاتها وإنما تضر المجتمع بصفة عامة ولاشك أن مثل هذه القضايا تسبب ارتباكا شديدا للمجتمع خلال استنفار بعض الطاقات السلبية لدي العقول الضيقة لإثارة المجتمعات فالبحث في المقدس دائما ما تشوبه الكثير من المناطق الشائكة التي يجب الولوج فيها بحذر شديد. في حين أكد د.أنور عبدالمغيث مدير المركز القومي للترجمة أن ازدراء الأديان تهمة مهينة للبلد..وعيب في حق الوطن أن يبقي عندنا تهمة نسيتها البشرية من العصور الوسطي والمفروض أن تنتهي عندنا كما هو الحال في البلاد الأخري. أوضح أن حرية الاعتقاد والتفكير مكفولة للجميع وإلا كان يجب أن يكتب في الدستور الحرية مكفولة ما عدا في المسائل الدينية" لذلك فمن حق كل واحد أن يقول ما يراه حتي إذا كان خطأ ولا يجب أن يحاكم علي رأيه فكل شخص لديه عقل يميز به الصواب من الخطأ بشرط الابتعاد عن الثوابت التي أكد عليها الله سبحانه وتعالي والرسول صلي الله عليه وسلم. ورقة ضد القوي التقدمية أما الكاتب والشاعر اليمني منصور الحاج فيري أن مصطلح ازدراء الأديان استخدم ضد قوي الحداثة.وإصدار القانون كان في مرحلة صراع اليمين واليسار واستخدم كورقة إسلامية ضد القوي التقدمية لأن الاشتغال علي الدين في حد ذاته والاقتراب من الدولة الدينية يقضي علي الدولة المدنية الديمقراطية وهو استهداف للوطن بصفة عامة. وعلي نفس الدرب سار الشاعر السماح عبدالله قائلا: الدين شأن عام ولا يمكن اعتبار الحديث عنه لأهل الاختصاص فقط. فيمكن للمفكرين والمثقفين أن يشاركوا بآرائهم لأن المفكرين طوال الوقت بدءا من طه حسين إلي عصرنا هذا أكثر مقدرة علي تأويل النص الديني لكي يكون صالحا مع مفردات العصر الحديث.. فالغرب لم يتقدم إلا عندما قام بفصل الدين عن الدولة.. يري فتحي الغنيمي عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية أن قضية ازدراء الأديان أخذت أكثر من حجمها.. فمن حق كل مثقف ومفكر أن يدلي برأيه في أي قضية تمس الأديان وتحض علي التفكير والتدبر وإعمال العقل والاجتهاد وعلي الآخر أن يرد عليه بالحجة.. لكن عندما يتحدث المثقف في قضية دينية تقوم الدنيا ولا تقعد وترفع عليه الدعاوي مع أن الدستور يكفل حرية الإبداع.