* في حكمة بالغة لخص الشيخ الشعراوي فلسفة القوة الاقتصادية المطلوبة للأفراد والدول علي السواء بقوله: "من أراد أن تكون كلمته من رأسه فلتكن لقمته من فأسه".. فتنمية الشعوب تبدأ بتحسين معيشتها وتوفير ما يلزم نهضتها من تعليم جيد ونظام صحي كفء وإنتاجية اقتصادية عالية تكفيها وتغنيها عن مد اليد بالاستيراد تارة. وطلب المساعدات والمعونات تارة أخري وهو ما يستلزم ضرورة إدارة الموارد البشرية والاقتصادية بكفاءة ورشد بطريقة اعتماداً علي زيادة الإنتاجية. ورغم أن هذا أزمة في تباطؤ النمو العالمي فقد تحسن وضع مصر هذا العام في مؤشرات التنافسية العالمية ببلوغها المركز ال 16 بعد أن كانت 119 في العام الماضي لكنها لاتزال بحاجة إلي رفع مستوي الإنتاجية ومعالجة بيئة الأعمال وتقوية القطاع الخاص المنتج وتعزيز قدراته التنافسية لامتصاص البطالة واعتماد إجراءات تقشفية وترشيد استيرادها من الخارج لتقليل فاتورته الباهظة التي كلفت مصر أكثر من 80 مليار دولار في وقت تعاني فيه تراجعاً كبيراً في موارده من العملة الصعبة خصوصاً بعد حادث الطائرة الروسية وتداعياته علي السياحة أحد أهم موارد النقد الأجنبي. لقد تحولت مصر كما يقول محافظ بنكها المركزي السابق إلي "مكتب استيراد كبير" رغم انخفاض أسعار السلع عالمياً بمعدلات تصل إلي 5% فإنها لا تزال تلهب جيوب الفقراء عندنا. الأمر الذي دعا لتدخل الحكومة وطرح منتجات مخفضة في منافذ التموين والقوات المسلحة.. لكن هل تكفي هذه الخطوة للجم جشع التجار وتأمين احتياجات السوق وضبط الأسعار علي المدي البعيد. الاستيراد دون ضوابط إحدي آفات اقتصادنا الذي تكلف نحو 80 مليار دولار لتغطية الواردات والخدمات وهو ما دفع الميزان التجاري لعجز بلغ 785.38 مليار دولار مقابل 062.34 في العام السابق نتيجة ارتفاع مدفوعات الاستيراد بنحو 662 مليون دولار لتصل إلي 843.60 مليار دولار هذا العام رغم تراجع واردات المواد البترولية بقيمة 888 مليون دولار فيما ارتفعت فاتورة استيراد السلع الأخري بنحو 55.1 مليار دولار.. وفي المقابل انخفضت الصادرات بنحو 061.4 مليار دولار لتصل إلي 058.33 مليار مقابل 119.26 مليار دولار العام الماضي جراء تراجع أسعار البترول عالمياً وانخفاض صادراتنا منه بنحو 747.3 مليار وانخفضت صادرات السلع الأخري بمقدار 313 مليون دولار فقط. أما المدهش حقاً فهو خريطة هذا الاستيراد حيث أنفقنا نحو 338.3 مليار دولار علي السياحة الخارجية "علاج وسياحة وعمرة وحج وغيرها" و500 مليون دولار فواكه منها 400 مليون علي التفاح الأحمر و200 مليون للخضراوات و056.1 مليار دولار تليفونات محمولة وثابتة و80 مليون دولار للكافيار و136 مليوناً للأحذية و05.1 مليار للملابس الجاهزة و7.1 مليار دولار للذرة الصفراء التي يمكن زراعتها محلياً و5.2 مليار دولار للسكر ومشتقاته رغم أن لدينا مخزوناً كبيراً منه منتج محلياً. ناهيك عن مدفوعاتنا في القمح والزيوت وغيرها.. والأغرب ان نستورد طعاماً للقطط والكلاب بنحو 4 مليارات جنيه سنوياً وفوانيس رمضان ب 60 مليون دولار فهل يمكن ان تتحمل ظروفنا الاقتصادية مثل هذا الانفلات والسفه الذي تزداد معه فاتورة الاستيراد عاماً بعد عام.. أما آن الأوان للتحول من الاقتصاد الاستهلاكي إلي الإنتاج.. متي نعتمد علي موارد حقيقية متجددة لا ريعية ولا ناضبة؟ لا حاجة للقول إننا مطالبون اليوم قبل غد بدعم الصناعة ووضعها علي طريق المنافسة وتشغيل المصانع المتوقفة واعتماد أعلي معايير الجودة والارتفاع بسقف المواصفات القياسية للواردات إلي حدها الأقصي وتدريب العمالة والارتقاء بالتعليم الفني لمواجهة تحدياتنا وتحسين اقتصادنا الذي هو الباب الملكي للاستقرار ورفع المعاناة عن الفقراء.