خلال جولة في الميدان في عز الظهر تحت درجة حرارة تقارب الأربعين وعلي اتساع الميدان. وبالنظر إلي التوقيت حوالي الساعة الثانية ظهراً. لم أر في الميدان كله و في ذروة أيام الاعتصام سوي ثلاثة أشخاص فقط. أعتقد أنهم يمثلون الشعب المصري بمختلف طوائفه واتجاهاته. الأول صاحب محل في الميدان. وقف به الحال. يلعن الثورة والثوار. ويتمني أن تعود به عجلة الزمان إلي ما قبل 25 يناير. حيث كان الوضع الاقتصادي له علي ما يرام. و السائحون يملأون أرجاء المكان. وعمال المحل يحصلون علي أكثر من نصف مرتبهم من "البقشيش" أما الآن فالحالة "ضنك" والمحل لا يعمل وفي الوقت نفسه اضطر أن يدفع للعمال زيادة علي رواتبهم لتعويض فرق "البقشيش" رحمة الله عليه. هذا الرجل يريد الاستقرار.. ومعه حق. الرجل الثاني. وهو أحد الثوار الحقيقيين. الذي نزل إلي الميدان من أول يوم ثورة. نزل بدون أجندات ولا نتائج. نزل بدون دعوات علي الفيس بوك ولا تويتر. نزل بيقين أنه لن يرجع. نزل وعقله يتمني الشهادة وقلبه تواق لها. نزل من أجل "الكرامة" لم يكن يشغل باله بسقوط النظام من عدمه. كل همه أن يعيش بكرامة وعزة ولا يهان علي أرض وطنه. لا يعذب في طوابير ولا في أقسام ولا في مستشفيات. كل همه أن يكون "إنسانا" هذا الرجل وجد أن شيئاً لم يتحقق مما نزل الميدان من أجله. والثورة بالنسبة لم تبدأ بعد. هذا الرجل يريد ثورة.. ومعه حق أما الرجل الثالث فوقف يشاهد الاثنين. من يريد "الاستقرار" ومن يريد "الثورة". وينتظر الفائز من الفريقين. لينضم إلي أحدهما. ووقتها يكون أول من نادي بالثورة. أو أول من دعا للاستقرار! أري المشهد يتغير والأعداد تتزايد ومكبرات الصوت تعلو والمنصات تنصب والخيم تضرب والباعة الجائلين ينتشرون واللجان الشعبية تؤمن مداخل ومخارج الميدان و"كنتاكي" لم يعد ساندويتشات. بل أصبح عيادة للثورة. أري الأعلام ورسومات في كل مكان ومضربين عن الطعام. رباه.. أين كل هؤلاء؟ قبل لحظات كنت وحدي مع ثلاثة في الميدان!