الواقعية الروحية قد تبدي توصيفا لمعني أو قضية فيها اختلاف ثم تجد ان توصيفا آخر لمحدثك ربما يكون أميل إلي الدقة. إذا كنت مكابرا - لا قدر الله - فأنت تصر علي التوصيف الذي طرحته. أما إذا كنت مجتهدا تشغلك الحقيقة في ذاتها فلعلك تقول ببساطة: هذا ما أردت قوله. اذكر اني وجدت في الواقعية الصوفية تعبيرا متماهيا أو موازيا للواقعية السحرية التي توصف بها ابداعات جارثيا ماركيث وايزابيل الليندي ويوسا وغيرهم من مبدعي أمريكا اللاتينية وجدت في الواقعية الصوفية معني أشد عمقا للابداعات التي تستند إلي الموروث الشعبي بداية بالميتافيزيقا وانتهاء بالممارسات التي تنسب إلي الصوفية. صديقي الدكتور شبل الكومي اقترح تسمية اخري هي الواقعية الروحية. بدت لي تسمية اقرب إلي الدقة بل هي - في قناعتي - صحيحة تماما. الواقعية الصوفية تحصر الجو الابداعي في الممارسات الصوفية وحدها في مكاشفات أولياء الله وكراماتهم. ما ينسب إلي السيد البدوي وأبي العباس والشافعي والرفاعي والشاذلي والحجاجي وديوان أم العواجز من خوارق ومعجزات وما ينسب إلي الفرق الصوفية بعامة من اجراءات وطقوس. أما الروحية فهي تهب دلالة اكثر رحابة واشد تحديدا في الوقت نفسه. مكاشفات وبركات الصوفية تتماهي مع بنية الواقعية السحرية وتوظيف الفن للبعد الصوفي ليس لمجرد ما يحمله من خوارق ومعجزات لكنه يصدر عن فلسفة حياة تشمل الميتافيزيقا وعلم الجمال والهموم الآنية من سياسة وتاريخ وعلم اجتماع وعلم نفس وغيرها. لكن بعض دارسي الواقعية السحرية يرفضون ان تجد تماهيا أو حتي مشابهة مع الموروث الديني أو الشعبي بعيدا عن الانثربولوجيا علي المستوي الإنساني. وثمة النظرة إلي الموت والموتي. انها تكوين مهم في موروثنا الشعبي بكل ما يحفل به من معتقدات وممارسات وعادات وتقاليد. نحن نؤمن بالخلود. وأن الموت انتقال من حال إلي حال لذلك يأتي انشغالنا ببيت الآخرة. مقابلا لإهمال بيت الدنيا. تدلنا الحفائر والتنقيبات علي آثار تتصل بالعالم الآخر: الأهرامات ومصاطب المقابر والأجسام المحنطة والأوشابتي. الخ لكننا لانجد أي أثر لبيت الدنيا. البيوت التي كان يعيش فيها قدامي المصريين. وبالطبع فإننا نؤمن أن الصلة بموتانا - أو صلتهم بنا - لا تنقطع. ان لم نرهم رؤية العين فإنهم يزوروننا في الأحلام أو ما يشبهها ويحرصون علي متابعة أحوالنا ويشعرون لتلك الأحوال بالقلق والخوف والفرح والحزن وهم في دار الحق بينما نحن في دار الباطل.