انطلقت الأفواج الأولي لحجاج بيت الله الحرام تلبية لنداء الحق سبحانه وتعالي وإكمالا لأركان دينهم ليؤدوا المناسك آملين أن يتقبل الله منهم هذه الفريضة المقدسة حتي يعودوا كيوم ولدتهم أمهاتهم. السؤال الذي يفرض نفسه ما هي الاستعدادات التي يجب علي الحاج القيام بها منذ معرفته بذهابه للديار المقدسة حتي يصبح حجه مبرورا وذنبه مغفورا؟. يؤكد د. حمدي طه الأستاذ بجامعة الأزهر أن كل حاج يذهب ليؤدي فريضة الله المقدسة أملا في أن يكون حجه مبرورا لينال الجنة حيث جاء في حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم في وصفه للحج التام "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".. ويعتبر مفهوم التوحيد من أكثر المفاهيم التي يغرسها الحج في النفوس بإفراد العبادة والتوجه لله وحده والبراءة من الشرك وأهله يتجلي ذلك من خلال التلبية "لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك".. كما أن الدعاء المأثور عن نبينا صلي الله عليه وسلم في يوم عرفة "لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد بيده الخير وهو علي كل شيء قدير". كما أن تقوي الله عز وجل من أهم ما يلتزم به المسلم أثناء أدائه لفريضة الحج لقوله تعالي في آيات الحج "ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوي القلوب" كما أنه سبحانه حث الحجاج للتزود من التقوي فقال جل شأنه "الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوي واتقون يا أولي الألباب" وغير ذلك من الآيات التي تربي المؤمن علي التقوي. أضاف أنه من المعاني التي يجب أن يستشعرها الحاج معني العبودية والاستسلام لشرع الله فهو يتجرد من ملابسه وزينته ليطوف ويسعي ويقوم بأداء شعائر معينة في وقت معين ومكان معين وهو غير مدرك لمعانيها وما ذلك إلا امتثال لأمر الله واتباع لسنة نبيه المصطفي عليه الصلاة والسلام. كما أن الحج يؤصل في نفس المؤمن قيم الإحسان وطيب النفقة وحسن الخلق فهو يجتنب طوال رحلته المقدسة الرفث والفسوق والجدال وهي صفات يجب أن يتحلي بها طوال حياته حتي يحافظ علي ثواب حجه ولكي تظل صحائف أعماله خالية من كل شائبة. كذلك يذكر الحج المؤمنين بيوم القيامة عندما يتفكر الحاج وسط الزحام وارتفاع الأصوات والضجيج واللباس الواحد في أهوال يوم القيامة العظيم والموقف المهيب الذي يعرض فيه علي رب العالمين لتقديم كشف حسابه. النية قبل الخروج من البيت قال د. محمود عباس الأستاذ بجامعة الأزهر بالمنوفية. إنه ينبغي علي المسافر لأداء فريضة الحج أن ينوي الحج لله قبل خروجه من بيته. وأن يتخلص من ديونه بالاتفاق مع أصحابها أو بوصية ورثته بها. وأن يتبرأ من مظالمه. بالإضافة إلي أنه لابد له أن يتأكد من أن ماله الذي يذهب به لأداء تلك الفريضة حلال. أضاف أنه بعد الاغتسال يلبس ملابس الإحرام ويصلي ركعتي الإحرام. ثم يخرج مسافرا ويستحسن ألا يخرج في طبل وضجيج. تفاديا للتظاهر والرياء. شروط وآداب الحج الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر تقول إن فريضة الحج ركن أساسي من أركان الإسلام الخمس التي بني عليها ديننا الحنيف وجبت علي المستطيع ليؤديها مرة واحدة في العمر لقوله تعالي "ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا" ولقوله صلي الله عليه وسلم "بني الإسلام علي خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً". أضافت أن هناك عدة شروط يجب أن تتوافر في الحاج كي يصبح مكلفا بهذه الفريضة المقدسة وهي أن يكون مسلما بالغا عاقلا حرا مستطيعا استطاعة مالية تمكنه من الذهاب للحج والعودة وذلك بعد أن يقضي ديونه ويفي بكل النفقات الواجبة عليه من مأكل وملبس ومسكن وغير ذلك من حاجات الإعاشة الضرورية واستطاعة بدنية بأن يكون صحيح البدن فإن كان غير قادر علي أداء مناسك الحج لظروف صحية فيمكنه أن ينيب من يحج عنه. وعن الآداب التي يجب أن يلتزم بها الحاج تشير د. نصير إلي أنه يجب علي من عزم الحج أولا أن يخلص النية لله سبحانه وتعالي فلا يكون حجه بقصد الرياء أو الشهرة أو حب المدح والمكانة عند الخلق وما غير ذلك بل يتوجه بقلبه وكل جوارحه لخالقه بنية أداء الفريضة ابتغاء لوجهه سبحانه جل شأنه.. ثم يتوب توبة نصوحا من جميع الذنوب والمعاصي التي ارتكبها حتي يصلح العلاقة بينه وبين خالقه.. ثم بعد ذلك يقوم برد المظالم وقضاء الديون والتحلل من حقوق العباد التي في رقبته. كذلك عليه أن يكتب وصيته قبل السفر فيوصي أهله وأصحابه بتقوي الله لأن الإنسان لا يعلم ما قد يتعرض له من مشاق وأخطار.. ثم يتفقه في أحكام الحج بالاستعانة بالكتب وشبكة الانترنت وأهل العلم والخبرة وغير ذلك من وسائل المعرفة حتي يتعرف علي شروطه وواجباته وأركانه وسننه لكي يتجنب الوقوع في أي خطأ قد يفسد عليه حجه أو ينقص من أجره ويجب علي الحاج أن يختار الرفقة الصالحة التي تعينه علي القيام بالمناسك علي أكمل وجه فتذكره إذا غفل وتعينه إذا وهن.. ثم يلتزم بالأدعية والذكر للتقرب إلي الله سبحانه وتعالي وحفظ اللسان مما يغضب ربه وغض البصر عما حرم الله.. وإذا وصل الحاج الأراضي المقدسة ينبغي عليه أن يكون رحيما رفيقا بإخوانه الحجاج فلا يزاحمهم ويصبر عليهم وعليه أن يؤدي الصلوات في أوقاتها مع جماعة المسلمين. تجسيد لوحدة المسلمين أشار الشيخ منصور الرفاعي عبيد وكيل وزارة الأوقاف الأسبق إلي أن موسم الحج تجسيد لوحدة المسلمين في أجمل مظاهرها حيث نري وحدة الملابس والقلوب والمكان والزمان والقبلة والمشاعر.. لا فرق بين غني وفقير عربي أو أعجمي فكل الفوارق تتلاشي ولا يري غير التحاب والتشاور والتصافح بين الحجاج.. فالجميع أتي من كل فج عميق رافعين أكف الضراعة ليغفر لهم الله ويتقبل منهم حجهم وليؤدوا نفس الفريضة والمناسك من إحرام وطواف وسعي ووقوف بعرفة ومبيت بمني ورمي للجمرات وغير ذلك مما يعمق من شعور الوحدة والأخوة بينهم. وكما أن الحج موسم تربية روحية وقيمية وأخلاقية فإنه كذلك مؤتمر موسع لمناقشة وحل المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها الأمة الإسلامية وتحقيق المصالح الاقتصادية للدول الإسلامية المبنية علي تبادل المنفعة وذلك لقوله تعالي "ليشهدوا منافع لهم" إلا أن هذا الجانب للأسف الشديد لم يتم الاستفادة من موسم الحج في تفعيله وصار موسما للإنفاق والتبذير واستيراد الكثير من المنتجات الغربية الاستهلاكية والترفيهية ليستفيد بذلك غير المسلمين من فريضة المسلمين. أكد الشيخ عبيد أن الأمة كي تعود لها الريادة المفقودة عليها أن تستغل موسم الحج لتفعيل الوحدة والتلاحم بين أبنائها فالتفرق ضعف والاتحاد قوة ونصر فهو فرصة ذهبية يمنحها الله سبحانه وتعالي للمسلمين كل عام ليتفكروا ويتدبروا ويوظفوا الملايين التي تجتمع في وقت واحد فيما يعود علي الأمة بالخير والقوة والوحدة ورفع شأنها عاليا قال تعالي "وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين".. فالأمة باستطاعتها أن تفعل الشيء الكثير إذا ما توحدت صفوفها وتآلفت قلوبها واجتمعت كلمتها.