في مسيرة الحياة هناّ حقائق أساسية لابد من الالتزام بها والمضي في منهج العمل علي ضوئها مع الاعتماد علي الصبر وقوة الاحتمال والاعتماد علي الله قبل ّل شيء لّي يبلغ الإنسان الآمال التي يرجو الوصول إليها وتحقيق اهدافه. وفي ذّري تحويل القبلة في الصلاة من المسجد الأقصي بالشام إلي بيت الله الحرام بأم القري نلمح هذه الحقائق بصورة تتجلي لأهل الايمان والصالحين وّل من يريد النجاح في مهامه التي رسمها لشئون حياته وأعماله التي يريد النهوض بها تتسم عبير هذه الذّري في ظلال شهر شعبان الذي تظللنا أيامه. أولي هذه الحقائق التي نستضيء بها ان سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم قد التزم العمل الجاد والصلاة لله متوجهاً إلي بيت المقدس بالشام وفي داخله حلم وأمل يرجو ان يتحقق ومع ذلّ يستمر في الجد والاجتهاد دون يأس أو ملل رافعاً بصره إلي السماء في تضرع وخضوع لعل الله يستجيب لرجائه علي أرض الواقع. ولعل من أقوي الأدلة ما جاء عن البراء بن عازب رضي الله عنه ان رسول الله صلي الله عليه وسلم صلي إلي بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهراً وّان يرجو بداخله ان تّون قبلته قبل البيت وأنه صلي أول صلاة صلاها صلاة العصر وصلي معه قوم فخرج رجل ممن ّان يصلي معه فمر علي أهل المسجد وهم راّعون. فقال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي قبل مّة. فداروا ّما هم قبل البيت وّان الذي قد مات علي القبلة قبل ان تحول إلي البيت رجال قتلوا لم ندر ما نقول لهم فأنزل الله "وما ّان الله ليضيع ايمانّم إن الله بالناس لرءوف رحيم". وهذا الدليل من خلال الحديث الصحيح الذي ورد بالصحيحين نضعه نصب أعيننا ومنه نستنبط منه الحقائق التي أشرنا إليها وفي مقدمتها ان الرسول ظل يعمل ويجتهد ويواظب علي الصلاة امتثالاً لأمر الله تعالي وفي داخله رجاء لم يعطل مسيرة حياته أو صلاته وفي ذلّ توجيه لّل البشر ان الإنسان يبذل أقصي جهده في العمل وفي داخله تصميم علي المضي في هذا الطريق مها تّن المشاق وعينه لا تغفل عن التضرع إلي الله بأن تّون نهاية الطريق هي تحقيق الآمال ويؤّد ذلّ ما رواه ابن عباس رضي الله عنه ان رسول الله صلي الله عليه وسلم لما هاجر إلي المدينة أمره ان يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها رسول الله صلي الله عليه وسلم بضعة عشر شهراً وّان رسول الله صلي الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم فّان يدعو الله وينظر إلي السماء فأنزل الله "فولوا وجوهّم شطره" اي توجهوا إلي البيت الحرام في صلاتّم. وقد ارتاب اليهود في ذلّ وقالوا: ما ولاهم عن قبلتهم التي ّانوا عليها فأنزل الله "قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم". ويتأّد بما لا يدع مجالاً لاي شّ ان أهل الايمان هّذا يعملون بجد وسعي مع رجاء للحق تبارّ وتعالي ان تّون خاتمة العمل هي النجاح وتحقيق الامال. فها هو رسول الله صلي الله عليه وسلم قد أمره الله باستقبال الصخرة من بيت المقدس فّان بمّة يصلي بين الرّنين فتّون بين يديه الّعبة وهو يستقبل صخرة بيت المقدس. فلما هاجر إلي المدينة تعذر الجمع بينهما فأمره الله باستمرار التوجه إلي بيت المقدس. وظل علي ذلّ بضعة عشر شهراً ومع ذلّ ّان يبتهل إلي الله ويّثر من الدعاء بأن يحقق الله الرجاء وتصدر الأوامر الالهية بالتوجه إلي الّعبة التي هي قبلة أبيه إبراهيم وفي نهاية العمل الجاد والصلاة الامتثال والاذعان لامر الحق تبارّ وتعالي ّانت الخاتمة هي تحقيق الأمل وتم تحويل القبلة من بيت المقدس إلي بيت الله الحرام في مّة المّرمة وعلي ّل المسلمين التوجه إلي البيت العتيق مهما يّن موقعهم علي سطح الّرة الأرضية. ورغم ان الناس أخذوا يتساءلون ويقولون: ماذا عن الصلاة التي صلاها الرسول وأتباعه قبل التوجه لبيت الله الحرام بأم القري ورداً علي هذا التساؤل ّانت الاجابة بّل وضوح "وما ّان الله ليضيع ايمانّم إن الله بالناس لرءوف رحيم" ولتوضيح مدي رأفة الله بعباده ورحمته بهم انه جاء في الصحيح ان رسول الله صلي الله عليه وسلم رأي امرأة من السبي قد فرق بينها وبين ولدها فجعلت ّلما وجدت صبيا من السبي أخذته فالصقته بصدرها وهي تدورعلي ولدها. فلما وجدته وضمته إليها والقمته ثديها فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم "أترون هذه طارحة ولدها في النار وهي تقدر علي الا تطرحه؟ قالوا: لا يارسول الله. قال: "فوالله الله أرحم بعباده من هذه بولدها". وبذلّ توضح أن الصلاة والعبادة التي تم أداؤها لها أجر لن يضيع. وخلاصة الدروس التي يجب ان نستوعبها وّذلّ ّل مسلم ان الآمال التي تتردد في الصدور يجب ان يقترن بها استمرار العمل والسعي بّل همة ونشاط مع ضرورة التضرع إلي الله بّل تواضع وذل وانّسار دون تّبر أو استعلاء أو اعتماد علي العلم الذي قد يتوصل إليه البشر أو الغرور بالقوة والجبروت لان ّل ذلّ لا يتم معه تحقيق الرجاء وان ّل من لجأ إلي ذلّ خاب أمله وضاع حلمه في لحظات خاطفة ومن يتأمل مسيرة الحياة وتاريخ الجبابرة والملوّ يجد ان هذه العروش قد انهارت في لحظات قصيرة أذهلت البشر وان ّل من يتق الله ويصير ويستمر في العمل فإن النجاح حليفة في نهاية الطريق. ولعل تحويل القبلة من بيت القمدس إلي بيت الله الحرام أبلغ دليل لّل ذي عينين وبصيرة نافذة ان في ذلّ لذّري لمن ّان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد. *** دعاء "رب لا تشمت بنا الاعداء. ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافّ ولا يرحمنا. اللهم من أراد بنا سوءاً فاجعل ّيده في نحره. واجعل تدبيره في تدميره. اللهم الطف بنا في قضائّ وقدرّ. وارفعنا إلي أعلي الدرجات بفضلّ وقوتّ يا أرحم الراحمين.