يظل جميل محمود عبدالرحمن واحداً من أغزر شعراء مصر إنتاجاً وأكثرهم قبضاً علي جمرة الإبداع. وأكثرهم. كذلك. إصراراً علي التشبث ببيئته الصعيدية إقامة وكتابة. فلا أحد احتفي بهذه البيئة وناسها مثل هذا الشاعر الذي لم يغفل في الوقت نفسه هموم الإنسان في كل مكان وزمان. جميل عبدالرحمن الذي صدر ديوانه التاسع عشر عن هيئة الكتاب بعنوان "الغروب في رائعة النهار". شاعر يكتبه الشعر. ولا يكتب هو الشعر. تمسك بالإقامة في بلدته بسوهاج. ورغم تعرضه هو وشعراء الصعيد عموماً. للظلم النقدي والإعلامي. فإنه لم يستسلم وشق طريقه وسط هذا الغمام. واصلاً بصوته إلي كل أقطار الوطن العربي. مؤكداً أصالته وشعريته. ومتحدياً كل العوائق التي يمكنها قتل ألف شاعر وليس شاعر واحد. في ديوانه الجديد. وكما في أغلب دواوينه. يفصح جميل عبدالرحمن عن صوته الخاص ومفرداته الخاصة. ولغته وتركيباته الخاصة. ولا ينحاز لشكل بعينه إذ يترك للتجربة أن تأخذ شكلها وإيقاعها. تأتي عمودية أو تفعيلية لا يهم. المهم الشعر الذي يأتي علي يديه سلساً متدفقاً في غير افتعال أو تعمد. جميل عبدالرحمن هذا الشاعر الصعيدي الوتد والطاقة والجهد والمثابرة والمعاناة والتاريخ. يستحق منا أن نلتفت إليه ونكرمه علي رحلة عطائه التي مازالت مستمرة بكل عنفوانها رغم الآلام والتجاهل. وليس أقل علي شاعر كبير مثله أن نمنحه جائزة الدولة للتفوق التي حصل عليها من هم أقل منه قيمة وقامة. أعرف أنه تقدم لهذه الجائزة هذا العام. وأعرف أن التربيطات والعلاقات الشخصية تلعب دورها. ولأنه لا يجيد التربيطات. ولا يسعي إلي استغلال علاقاته الشخصية. فقد وضع الرجل شعره بين أيدي لجان الجائزة. وقفل عائداً إلي "سوهاجه" الحبيبة ليواصل إبداعه في المكان الذي أحبه وتمسك بالعيش فيه.. فهل نكرم هذا الشاعر بجائزة ربما تمحو جزءاً ولو بسيطاً من آلامه التي تحملها في سبيل الشعر وسبيل الوطن؟!!