إلي بداية الأربعينيات لم نكن في مصر وربما في العالم العربي نعرف شيئا عن فرانز كافكا ولا عن سيرته أو مؤلفاته ثم عرفه طه حسين في زيارة صيف إلي فرنسا فعرفنا به في مقالات نشرتها مجلة الكاتب المصري التقط طه حسين اعجاب اعداد من المثقفين الفرنسيين في اعقاب الحرب العالمية الثانية بما تنطوي عليه كتابات كافكا من الفكر الوجودي مقابلا لرفض اعداد اخري من المثقفين الفرنسيين لتلك الكتابات للسبب نفسه. ولد فرانز كافكا في الثالث من يوليو 1883 بمدينة براغ التشيكية من ابوين يهوديين من عائلة متوسطة ومات وهو في حوالي الأربعين.. لم يحقق كافكا نجاحا علي المستوي الشعبي فقد ظلت رواياته مودعة في الادراج ثم ظهرت ترجمة روايته القلعة في 1930 بعد ست سنوات من وفاته ثم ظهرت المحاكمة في .1937 كان يهودي الديانة والالمانية هي اللغة التي يتكلم بها ويحيا في بلد تشيكي يرزح تحت سيطرة الامبراطورية النمساوية المجرية وكان لذلك تأثيره المؤكد في احساسه بالغربة والوحدة. كان كافكا كما يصفه روجيه جارودي ينتمي باعتباره يهوديا إلي شعب مختار لكنه شعب منبوذ مشرد في الأرض. كانت الأقلية اليهودية تسمي الجنس الأجرب وقد هدم الحي المخصص لسكني اليهود الجيتو لكن العزل النفسي كما يقول جارودي ظل قائما ان المدينة اليهودية النتنة مدينة حقيقية تعيش في نفوسنا أكثر مما تعيش المدينة الصحية الجديدة التي تحيط بنا ومازلنا نمشي في حلم بالرغم من اننا مستيقظون تماما فما نحن في الواقع سوي اشباح الأزمة الغابرة. كتب كافكا يوما: ماذا يجمع بيني وبين اليهود في الوقت الذي لا يكاد يوجد هناك ما يجمعني ونفسي؟ لكن بروست يذهب إلي ان كتب كافكا ليست منفصلة عن شخصه فسواء كان اسمه جوزيف ك أو روهان أو سامسا أو مساح الأراضي أو بنديمان جوزفين المغنية أو فان جوخ أو ترابيز الفنان فإن بطل مؤلفاته ليس إلا كافكا نفسه. السيرة الذاتية مفتاح اساسي لفهم أعمال كافكا ويقول برود الذي تدين له أعمال كافكا بفضل الرعاية واتاحة فرص النشر ان كافكا لم يعرض أبدا فلسفته ورؤيته الدينية للعالم بشكل منتظم مع ذلك فإنه يمكننا أن نتعرف الي مبادئ أو قواعد اساسية في اعماله وبالذات في أقواله المأثورة ورسائله ومذكراته. قال كافكا يوما لصديقه يانوش: لقد حلمت بالسفر الي فلسطين لكي أعمل مزارعا أو حرفيا وقد وضع في 1918 مشروعا لجماعة عاملة غير مالكة يرسم الخطوط العامة لجماعات الكيبوتز في دولة اسرائيل المرتقبة. اذن فلم يكن كافكا باردا تجاه الصهيونية كما قال ماكس برود ولا يخلو من دلالة حرصه في نهايات حياته علي تعلم اللغة العبرية ايضا لا يخلو من دلالة قول بعض علماء اللاهوت ان كافكا هو آخر أنبياء اسرائيل!