مع انتشار الفضائيات الخاصة وتزايد أعداد القنوات كثرت السلع التي يتم الاعلان عنها حتي أصبحت الاعلانات ضيفا ثقيلا علي المشاهدين. ليس فقط لضعف مادتها الفنية وافتقارها للرؤي المبدعة الجاذبة للجمهور. وانما للمضمون السلبي الذي تعكسه أفكارها بما تحتويه من ألفاظ بذيئة ومشاهد خارجة وايحاءات غير أخلاقية لا تراعي قيم المجتمع وعاداته. الأمر الذي جعل كل شيء مباحاً في عالم الاعلانات. تصوروا إعلانا لأحد الأغذية يحول الرجل لامرأة وإعلاناً آخر عن أحد المشروبات يخاطب المشاهد بكلمة "استرجل". وذلك يجعل الأم تتراقص وتغني مع أصدقاء ابنها دون أدني احترام. وهذا يجعل بطل الاعلان يأكل أباه لمجرد انه يناقشه. ويتعمد الاعلان اظهار المرأة بشكل فيه اثارة لتحقيق نسبة مشاهدة عالية وغيرها من الأفكار والمشاهد المثيرة للاشمئزاز. "المساء" تفتح ملف التأثير السلبي للاعلانات علي المجتمع وتناقش سبل تفعيل الرقابة عليها. مهزلة د. "حسن علي" أستاذ الاعلام بجامعة المنيا يقول: للأسف الشديد سوق الاعلان في مصر مهزلة ولا توجد قواعد تحكمها ولا قوانين تنظمها ولا مواثيق شرف تضبط جموحها. ولا مجلس أعلي يراقب. ولا نقابة للمعلنين تحاسب. إضافة الي تعدد الجهات التي تتبعها الاعلانات. فالاعلانات التي تتبع اتحاد الاذاعة والتليفزيون مثلا لها قواعد خاصة في العرض تابعة لماسبيرو. وهي تختلف تماما عن قواعد القنوات الخاصة التي تخضع لأهواء كل قناة وقناعاتها وأهدافها. وهو ما يجعلنا نري الاعلانات "الفجة" عبر شاشات تلك القنوات التي لا تهدف الا للربح المادي وزيادة نسب المشاهدة. وأشار الي انتشار العديد من الوكلات الاعلانية غير المرخصة والتي تعمل "تحت بير السلم" إضافة إلي الوكالات الكبري الساعية للربح مما جعل هناك نوعاً جديداً من الاعلانات لا يحمل سوي الايحاءات الفجة والألفاظ البذيئة خاصة في ظل انعدام جهات الرقابة وتشريعاتها المحددة لضوابط الاعلان.. وقال ان هذه الاعلانات تهدد قيم الأسرة المصرية والمجتمع بأكمله. ووجه د. حسن رسالة للمعلنين قبل أسابيع قليلة من شهر رمضان قائلاً: أتمني أن يحترموا حرمة الشهر الكريم لأنه شهر عبادة وتقشف وليس استهلاكاً. وان يراعوا ظروف الدولة المنهكة اقتصاديا. التشريعات الإعلانية وقال د. "صفوت العالم" أستاذ الاعلام بجامعة القاهرة: منذ سنوات وأساتذة وخبراء الاعلام في مصر يطالبون بضرورة تقنين الأداء الاعلامي والاعلاني وضرورة التزام المعلنين والقنوات بقواعد وأخلاقيات الممارسة الاعلانية التي من أهمها علي سبيل المثال: عدم بث اعلانات عن الأدوية أو أي مستحضر له أثر علاجي مباشر إلا بموافقة ورقابة وزارة الصحة والتأكيد علي ضرورة استشارة الطبيب خلال الاعلان وهو ما لا يحدث علي الاطلاق. وينطبق الأمر علي السلع المكملة للغذاء كالتي تسبب النحافة أو السمنة أو تحتوي علي فيتامينات. كذلك اعلانات المسابقة التي لا تراعي أي ضوابط ووسط صمت تام من وزارة الشئون الاجتماعية المسئولة عن مثل تلك المسابقات خاصة أن المعروف في كل أنحاء العالم بأن لها ضوابط محددة وليست وفق الهوي والغرض كما نري. كذلك عدم بث اعلانات تتاجر بآلام الناس وتستغل أمراضهم ومعاناتهم لتوجيههم لأماكن وأدوية معينة دون أي تعليق من وزارة الصحة وهو الأمر الذي يضر المستهلك في المقام الأول. أضاف: الحديث عن "فساد الاعلانات" وتوظيفه بشكل لا يحقق الحماية الواجبة للمستهلك لن يتوقف ويحتاج لصفحات . ولكن للأسف لا يتوقف فساد الاعلان وخداعه للمشاهدين عند ذلك الحد بل يمتد لاستخدام وسائل قبيحة ضد قيم وأخلاقيات المجتمع وتوظيف جسد المرأة بشكل مرفوض. ميثاق شرف إعلاني وأكد د. محمد زين أستاذ الاعلام بجامعة بني سويف: المشكلة الرئيسية في عدم وجود ميثاق شرف اعلاني. كما هو الحال بالنسبة للاعلام. فالبحث عن المال أصبح هو القيمة رقم واحد في المجتمع وهو ما أهدر العديد من القيم. وأصبح الحل في تجريم الاعلام بالقانون والقضاء عملا بمبدأ "ناس تخاف متختشيش". أضاف: القنوات الفضائية عليها التزام أخلاقي ومهني ولكنها للأسف لا تلتزم به وفي ظل عدم وجود أجهزة رقابية وتشريعات فاعلة. أصبح المشاهد هو الرقيب الأول ومن حقه رفض أي اعلان أو مادة خارجة اذا قدمت له بشكل غير لائق ولا يناسب عاداته وقيمه بأي وسيلة تتفق وقناعاته بداية من المقاطعة وحتي اللجوء للقضاء. أما د. "ثريا عبدالجواد" أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس فقالت: أي مجتمع يتجه نحو الرأسمالية وسياسة السوق وهو ما يفعله حاليا العالم كله وليس مصر فقط لابد وأن يتجه للاعلانات كوسيلة للترويج سعياً وراء الربح وتحقيق المنفعة المادية. وفي اعتقادهم أنه لا مانع من أن تكون وسيلة الترويج تلك تحتوي علي بعض أساليب الخداع وتجاوز القيم والعادات والتقاليد. وللأسف أصبح في مصر التجاوز شكلا من أشكال نجاح الاعلان فكلما كان غريبا وغير تقليدي ويكسر حواجز وقيود المجتمع وصورة الأفراد فيه يصبح أكثر انتشاراً ونجاحاً دون النظر لأي اعتبارات سياسية أو اقتصادية واجتماعية موجودة في مصر. طالبت د. ثريا بتفعيل مواثيق الشرف الاعلامي وقالت: في المجتمعات الرأسمالية العميقة يوجد ما يسمي بميثاق الشرف الاعلامي وليس فقط الخاص بالاعلان ولكنه يشمل الاعلام كله سواء مواد إعلانية أو برامج حوارية أو مواد مسجلة أو غيرها من الأشكال الاعلامية التي تخاطب المواطن ويتم تفعيل هذا الميثاق في تلك الدول. دفاع من جانبهم دافع العاملون في مجال الاعلانات عن أنفسهم مؤكدين أن المعلن هو السبب الرئيسي وراء الانحدار القيمي الذي أصاب سوق الاعلان مؤخراً.. يقول مخرج الاعلانات "حسام المهدي": أي معلن يبحث أولا وأخيراً عن التعريف بمنتجه وزيادة الاقبال عليه. ويحدث كثيراً أن تعرض الوكالة الاعلانية علي المعلن أفكاراً تناسب المنتج. إلا ان المعلن يرفضها ويطلب أشكالاً معينة وطرقاً محددة لظهور وتصوير منتجه. وهو ما يضطرنا في كثير من الأحيان للرضوخ لرغبة المعلن وتقديم اعلانات خالية من الأفكار والابداع والقيم في بعض الأحيان بسبب التعاقدات بين المعلن والوكالة الاعلانية. أما "رانيا شعبان"- موديل اعلانات وممثلة: قالت: أي مجال فيه السييء وفيه الجيد وكما ان هناك اعلانات فجة ولا يتقبلها المجتمع هناك أخري تنمي القيم الاجتماعية كالتكافل وحسن المعاملة بين الجيران وغيرها من الأفكار التي توصل رسالة هادفة للمشاهد بشكل خاص والمجتمع ككل بشكل عام. أضافت: أنا شخصياً لا أقدم اعلاناً إلا اذا اقتنعت بفكرته. وتأكدت انها لن تضر سمع أو بصر المستهلك. ولكن الحقيقة التي رأيتها بعيني في كثير من المرات هي تدخل المعلن في فكرة الاعلان. ورغبته في اظهار منتجة بشكل مبالغ فيه من خلال أفكار غريبة وغير تقليدية وهو ما جعل التنافس ليس علي السلعة بل علي الفكرة الغريبة الزكثر جذبا للجمهور بصرف النظر عن مضمونها الأخلاقي والاجتماعي.