شم النسيم. أو عيد الربيع. هو اليوم الذي يتساوي فيه الليل والنهار. وقت حلول الشمس في برج الحمل. ويقع في الخامس والعشرين من شهر فارمنهات الفرعوني "أي برمهات في التقويم القبطي". وكانوا يعتقدون أن ذلك اليوم هو أول الزمان. أو بدء خلق العالم. وأطلقوا عليه اسم "عيد شم". أي عيد الخلق وبعث الحياة. وكما يقول الراحل سيد كريم. فقد بدأ احتفال قدماء المصريين بعيد شم النسيم رسمياً في 2700ق.م. وإن رجحت روايات أخري أنه كان معروفاً في عصور ما قبل الأسرات. لعل احتفالاتنا الحالية بعيد شم النسيم امتداد لتلك الاحتفالات القديمة بقدوم الربيع. يتبدي ذلك في تعليق البصل فوق الأسرة. أو تحت الوسائد. فإذا أتي الصباح. فإننا نكسره ونشمه. ثم نلقي به في الطريق. وفي الريف. يعلق البصل علي أبواب الدور. عند قدوم شم النسيم. وكان المصريون القدامي يعلقون البصل في مناسبة قدوم الربيع حول رقابهم. وكانوا يعلقونه أيضاً علي أبواب البيوت. وقد نفرك أنوف الضيوف بالبصل. باعتباره رمزاً للبعث يغوص في الأرض. وينمو صاعداً نحو النور. إنه كنسمة الصباح في أيام الربيع. وكما نعلم. فإن البصل عنصر رئيس مع عناصر أخري. مثل البيض والسمك البوري المملح. أما عادة أكل البيض. فهو ما كان يفعله المصريون في أحد أعياد الإله "تحوت" إله العلم والمعرفة. أما أكل الفسيخ. فقد ذكر هيرودوت عن زيارته لمصر "450ق.م" أن المصريين يأكلون السمك المجفف. يجففون بعضه في الشمس. ويؤكل نيئاً. ويوضع بعضه في الملح لمدة معينة. وهو الفسيخ. حتي ركوب القوارب والنزهة في النيل كان صورة الاحتفالات بعيد الآلهة "باستت" أحد آلهة منطقة "تل بسطا" الحالية في مدخل الزقازيق. في كل قارب مجموعة من الرجال والنساء. يضربون علي الدفوف. ويصفق الرجال. وترقص النساء. واحتفالات شم النسيم ليست مقصورة علي المدينة. بل لعلها في القرية تأخذ صورة أعمق. فالكل يحتفل بها في طقوس موحدة. والفقهاء يوزعون علي الأسر تعاويذ يبتلعونها. فتحدث تأثيرها المؤكد في أجسامهم. بحيث لا يخشون أي شر أو أذي. في صبيحة ذلك اليوم. يطوف الشبان في القري بدور أصحابهم. يوقظونهم من نومهم. ويدلكون أنوفهم بالبصل الأخضر. كما تسير مواكب الأطفال ذوي الجلابيب الواسعة الملونة. يقرعون الطبول والصفائح. ويدعون النائمين إلي الاستيقاظ. وأصناف الطعام الخمسة الرئيسية التي نحرص علي تناولها في شم النسيم. هي نفسها التي كانت تتصدر موائد الفراعنة: البيض والفسيخ والبصل والخس والملانة. وقد أطلق عليها المصريون القدامي اسم "أصابع الكف المقدس الخمسة". نسبة إلي الكف رمز العطاء الإلهي. والأصابع الخمسة المختلفة الشكل المرتبطة ببعضها. ويذهب الناس إلي الحدائق. يفرشون الملاءات تحت الأشجار الوارفة. عليها حلل المحشي وطواجن الأوز المعمر. ولحم الخروف المشوح. ووابور البريموس. وبرطمانات الترمس. وأطباق الفسيخ المغطي بفوط محلاوي. أما لماذا يقبل الناس في عيد شم النسيم علي أكل الأسماك المملحة والبصل الأخضر. فلعل مبعث ذلك شعورهم بأن أجسامهم تحتاج في بداية موسم الصيف إلي ما قد يعوض الجسم من الأملاح التي لابد سيفقدها بتأثير حرارة الصيف. وإلي مطهر قوي ومنبه. هو البصل. وعموماً فإن الحدائق العامة والشوارع تمتلئ في شم النسيم بأوراق الخس والملانة وفروع البصل وبقايا الرنجة والسردين وقشور البصل. * كل سنة وأنت طيب.